هل سلّمت أميركا بانتصار سورية؟: حميدي العبدلله
ثمة مؤشرات تدعو الكثير من المتابعين لتطوّرات الحرب على سورية للاستنتاج بأنّ الولايات المتحدة قد سلّمت بانتصار سورية في الحرب التي شنّت عليها مدة ثمانية أعوام كاملة .
من أبرز هذه المؤشرات، أوّلاً، ما جرى ويجري في الجبهة الجنوبية من انهيار لكلّ التنظيمات الإرهابية، وانتقال تل أبيب من العمل على إقامة جدار عازل قرب خط وقف إطلاق النار في الجولان إلى المطالبة بالعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل عام 2011 والالتزام بكامل اتفاق فضّ الاشتباك الموقع عام 1974 بين العدو الصهيوني والدولة السورية. صحيحٌ أنّ العدو الصهيوني لم يكن لديه أيّ خيار غير ذلك في ضوء تصميم الدولة والجيش السوري وحلفائهما، بما في ذلك روسيا، على استعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين، لأنّ البديل عن ذلك توسيع المعركة ليشمل الكيان الصهيوني، لأنه من غير المقبول على أيّ نحو كان أن يقوم جيش الاحتلال «الإسرائيلي» بمنع الجيش السوري من تحرير المناطق الخاضعة للإرهابيين من دون تحوّل ذلك إلى معركة مع الجيش «الإسرائيلي»، وبالتالي اتساع نطاق المعارك ليشمل عمق الكيان الصهيوني، وليس الجولان المحتلّ فقط، وهذا ما لا تريده تل أبيب، ولكن هناك من يسأل عن أسباب التسليم «الإسرائيلي» ودور الولايات المتحدة بذلك.
مؤشر ثانٍ قيام وفد من «مسد» بزيارة دمشق وإجراء حوار رسمي مع وفد من الحكومة السورية، ومن الصعب الاستنتاج بأنّ هذا الوفد قام بهذه المبادرة من تلقاء ذاته ومن دون أخذ الموافقة المسبقة من الولايات المتحدة لما تتمتع به الولايات المتحدة من تأثير قوى على «مسد» بسبب وجود قوات أميركية في المنطقة الشرقية والمنطقة الشمالية بذريعة تقديم المساعدة لمكافحة الإرهاب.
لا شك أنّ ثمّة عوامل خدمية واقتصادية قد فرضت على «مسد» التحرك باتجاه الدولة السورية، ولكن ذلك يعني أنّ الولايات المتحدة ليست في وارد الاستثمار والتوظيف الاقتصادي والخدمي في هذه المنطقة إما لأن ليس لديها القدرات، أو لأنها على قناعة بأنّ مستقبل هذه المنطقة محفوف بالمخاطر وتأمين الاستقرار فيها أمرٌ صعبٌ للغاية، وهذا يعني أنّ واشنطن تسلّم بعجزها عن القدرة على إدارة شؤون هذه المنطقة، وبالتالي سمحت لوفد «مسد» إجراء حوار مع الحكومة السورية وأبدت استعداد «قسد» لإعادة مناطق سيطرتها وهي مناطق سيطرة القوات الأميركية إلى الدولة السورية.
مؤشر ثالث، التعاون الروسي الفرنسي لإرسال معونات إنسانية للمواطنين السوريين في مناطق عديدة، وهي خطوة تنفرد فيها فرنسا، وحتى الأمم المتحدة أبدت عدم موافقتها على هذه الخطوة. وهناك من يعتقد أنّ الرئيس الفرنسي وهو صديق للإدارة الأميركية الحالية، ما كان بمقدوره الإقدام على هذه الخطوة لولا رضا هذه الإدارة وعدم اعتراضها على هذا السلوك.
هذه المؤشرات مجتمعة تدفع البعض للاستنتاج بأنّ واشنطن سلّمت بانتصار سورية.