المبادرة الروسية السورية
غالب قنديل
يصعب على العقول المسطحة والأسيرة في محدودية عالمها المحلي استيعاب نمط التفكير السوري الروسي في حركة إعادة النازحين وإدراك مستوى التخطيط لإرجاع ما يقارب ستة ملايين مواطن إلى بلدهم الذي يتعافي وتأمين جميع المستلزمات اللوجستية لإعادة إعمار المناطق المدمرة.
التوقيت مدروس ومقصود بعد اكتمال تحرير محيط العاصمة ومعظم مناطق الوسط ودير الزور والجنوب السوري ووصول الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة إلى مشارف خط الفصل في الجولان بينما يتحدث كثيرون عن اقتراب موعد انطلاق مسيرة تحرير الشمال والشرق السوريين وفقا لآليتي المصالحات والتفاهمات والحسم العسكري وهو ما يرمز إليه الكلام الواضح والصريح الذي أدلى به الرئيس بشار الأسد مؤخرا عن إدلب الذي تزامن مع إعلان وصول وفد من “قوات سورية الديمقراطية ” إلى دمشق لإجراء مباحثات مع السلطات السورية.
الطاقة الاحتوائية السلسة التي تظهرها الدولة الوطنية السورية في الجنوب المحرر تجسدت بمشاركة مسلحي المصالحات والتسويات في القتال إلى جانب الجيش العربي السوري بينما تؤكد المعلومات ان مجموعات وأفرادا في المناطق الشمالية والشرقية يجرون اتصالات بالقيادة السورية طلبا لمعالجات مشابهة واستعدادا لها من إدلب والحسكة والرقة.
بعد كل ما جرى بات القتال ضد الجيش العربي السوري رهانا خاسرا وتوازن القوى ينقلب في العالم والمنطقة لصالح الجمهورية العربية السورية وقواتها المسلحة ورئيسها القائد بشار الأسد وفي هذا المناخ كان توقيت الرئيس فلاديميربوتين في قمة هلسينكي لمبادرة تم التحضير لها مع القيادة السورية لتنظيم عودة ملايين النازحين من دول الجوار بعدما شردتهم عصابات الإرهاب المدعومة من الغرب والخليج وتركيا.
الدبلوماسية الروسية قادت بعد هلسينكي هجوما شاملا في المنطقة يشبه ما قامت به تحضيرا للحظة الانخراط العسكري الروسي في سورية بعد زيارة الرئيس الأسد الشهيرة فقد جال وفد روسي رفيع على العواصم الإقليمية المعنية وبخطة لإنشاء لجان مشتركة تقود عملية تنظيم عودة النازحين السوريين إلى ديارهم بينما تعمل فرق سورية روسية على تحضير عمليات عاجلة لتجهيز مجمعات إيواء ضخمة ولإعادة بناء المناطق المدمرة وفقا لمخططات توجيهية أقرتها الدولة السورية قبل اكثر من سنتين وساهم في وضعها خبراء سوريون وروس وصينيون وإيرانيون.
الورشة السورية ستكون قوية في انطلاقها وفي سرعة اندفاعها ومدة إنجازها والتحضيرات ستكتمل أسرع من المتوقع و لاتحتمل بلادة التأمل والانتظار والتمني التي يمارسها بعض الساسة في لبنان وهم أسرى احقادهم وما اجتروه من اكاذيب وشتائم خلال السنوات الماضية فما كتب قد كتب وعرف المنتصر كما عرف المهزوم والشعب العربي السوري داخل البلاد وخارجها يمحض ثقته لدولته الناهضة بعدما تحمله من آلام وجراح ونكبات على يد قوى العدوان الخائبة وجماعات الواجهات التابعة.
طريق الرئيس الأسد للملمة جراح الحرب كانت بادية ومعروفة منذ البداية عبر سلسلة قرارات العفو وبتكريس أسلوب المصالحات وساهمت في الجهود سائر القوى الحليفة روسيا وإيران وحزب الله في العديد من المناطق السورية لكن المرحلة الراهنة تحمل معها حركة بسرعة إعصار السوخوي وعلى طريقة الرئيس فلاديمير بوتين الذي يكرس إمكانات هائلة لمشروع إعادة النازحين بناء على تواصله المستمر مع الرئيس بشار الأسد ويحرص موفدوه على القول إن الخطة هي بالأصل سورية تتبناها وتدعمها روسيا الاتحادية ولايبخل المسؤولون الروس والمقربون منهم في استعمال التشبيهات الروسية للتعبير عن ضخامة ما سنشهده في سورية وعن سرعة الإنجاز وليس من الفراغ القول إن خبرة إعادة البناء الروسية بعد الحرب العالمية الثانية ستحضر بكل ثقلها في المشهد السوري المقبل بقيادة الدولة السورية وبمشاركة أصدقاء سورية الذين سيلقون بثقلهم الاقتصادي والعمراني أيضا كما ألقوا بخبراتهم وإمكاناتهم العسكرية في دعم الجيش العربي السوري.
وضعت روسيا الولايات المتحدة والحكومات الإقليمية التابعة أمام أمر واقع جديد وكما فعلت في محاربة داعش ستظهر تفوق قدرات محورها في احتواء اخطر الكوارث الإنسانية التي شهدتها المنطقة على يد ادوات الحلف الأميركي الصهيوني الأطلسي السعودي القطري التركي.
لعل حلقات صعبة لا تزال على الطريق بانتظار إعلان انتصار سورية وحلفائها الناجز عبر فتح ملفات جلاء الاحتلال التركي والأميركي عن الأرض السورية وتصفية جيوب الإرهاب الباقية قريبا لكن من المشروع التفاؤل بنجاح سورية في تذليل هاتين العقبتين بعدما أفلحت في تخطي العقدة الصهيونية الأصعب والتي تم احتواؤها بردع الدور العدواني لإسرائيل وتعطيل تأثيره في اعتراض عمليات تحرير الجنوب دون أي مقابل ومن غير أي تعهدات روسية او سورية وقد أثبت الجيش العربي السوري المحتضن من أبناء المنطقة الجنوبية فاعلية مهمة في الحسم ضد جيوب داعش التي تلقت دعما ومؤازرة من القوات الأميركية في التنف ومن الكيان الصهيوني في الجو ومن خلف خط الفصل مباشرة وكانت آخر خلجاتها الدموية الآثمة جريمة السويداء.