عبرة تموز الضائعة
غالب قنديل
كان طابور فيلتمان هو الوجه الأبشع لحرب تموز فمن أشد الأمور ايلاما وقسوة ان يشارك فريق لبناني في تحضير العدوان ومواكبته وان يقدم التسهيلات والخدمات حيث يستطيع ساعيا بكل ثقله لخنق ومحاصرة مواقع الصمود والمقاومة في مؤسسات الدولة ومفاصلها مسخرا كل ما في حوزته من قدرات سياسية واعلامية لمصلحة العدو عبر توهين المعنويات وبث الشائعات والأكاذيب وكشف ما يصل اليه من أسرار عن عمل المقاومة وتحركاتها امام العدو عبر السفارات وشبكات الاستخبارات واحيانا عبر وسائله الاعلامية .
رغم كل ما يقال عن ان لبنان بلد لا أسرار فيه ما زال اللبنانيون يجهلون الكثير عن خفايا الحرب بعد مرور دزينة من السنوات وثمة أسئلة بلا أجوبة عن مضمون التعهدات التي لامت كونداليسا طابور فيلتمان على عدم تنفيذها خلال العدوان وما تكشف ليس سوى القليل من المعلومات التي تملك الكثير منها قيادة المقاومة وكل من الرؤساء اميل لحود وميشال عون ونبيه بري.
حكمة الحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع هياج العصبيات التي يتقن طابور فيلتمان الاحتماء بها كانت خلف اخفاء الكثير عن مخطط شامل رافق الحرب وتعثر مع هزيمة العدو.
مرارة تورط الشركاء في الوطن تصاحب كل كلمة للفريق الوطني عن ملحمة الصمود والمقاومة في تموز فهل هذا هو الوضع السليم الذي يتيح مراكمة وعي وطني حقيقي وحماية الأجيال الجديدة من فخ الانحياز للعدو بدافع الأحقاد الطائفية؟
تمنى كثير من اللبنانيين لو امتلكت المؤسسات اللبنانية السياسية او القضائية بعد الحرب جرأة التحقيق التي ميزت دولة العدو لكشف الخفايا وتحديد المسؤوليات عن التواطؤ في تسهيل التدمير الصهيوني والمذابح وعمليات الاقتلاع التي نفذها العدو وعما لقيه الصهاينة من تسهيلات سياسية واعلامية وأمنية لبنانية شكلت طعنا في الظهر للشعب وللجيش وللمقاومة.
طابور فيلتمان لم يتعلم شيئا من عبر تموز ولم يراجع حساباته وهو كرر الخطيئة نفسها بالتواطؤ في العدوان على سورية تنفيذا للتعليمات الأميركية واستجابة لمنظومة التشغيل الاقليمية والدولية نفسها التي عملت خلال حرب تموز ثم أوعزت باحتضان جماعات التكفير وتقديم الخدمات السياسية والاعلامية والأمنية لمخطط تدمير سورية وتعريض لبنان لأفدح الأخطار بالتورط في حرب اسرائيلية بالواسطة على سورية ولبنان معا.
المعضلة الحقيقية والخطيرة هي ان حكمة الفريق الوطني تقابل بالابتزاز والتحايل وليس أدل على ذلك من تناغم ذلك الطابور نفسه في رفض تكريس نتائج الانتخابات في توازن الحكومة وفي تعطيل العلاقات مع سورية وكأن شيئا لم يتغير في المنطقة التي تشهد هزيمة المخطط الأميركي الصهيوني الذي انطلق باحتلال العراق.
العالم كله يتغير وليست المنطقة وحدها وطابور فيلتمان يغلق عينيه كي لا يرى ويستمع فحسب الى همس عوكر كما كان خلال حرب تموز فمن يأخذ العبرة؟! ولن نسأل من يحاسب طالما تتكفل العصبيات الطائفية وصيغة النظام الطائفي بمنح المتورطين حصانة ضد اي مساءلة كانت عن أفعال تخطت حدود المحرمات في اي دولة تحترم شعبها.