صفقة القرن: حقيقة أم فزاعة؟: حميدي العبدالله
منذ أن تمّ توقيع اتفاق «أوسلو» بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني، دأبت الولايات المتحدة والدول الغربية وحلفاؤهما من الحكومات العربية العمل على تمرير صفقة تقضي بتصفية القضية الفلسطينية كمدخل لتطبيع العلاقات بين الحكومات العربية وبين الكيان الصهيوني .
والجهود التي تبذل الآن تحت مسمّى «صفقة العصر» هي امتداد لهذه الجهود ولا تختلف عنها بأيّ شيء. لكن هناك من يتحدّث عن «صفقة العصر» وكأنها شيء جديد ونوعيّ، قابل للتنفيذ، بل إنّ البعض يعتقد أنّ هذه الصفقة جرى الشروع في وضعها موضع التنفيذ، ويستندون في ذلك إلى الآتي: نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس المحتلة، والاتصالات السرية من خلف الأضواء التي تجري بين الحكومات العربية وبين قادة العدو الصهيوني. فهل نحن فعلاً أمام شيءٍ جديد يختلف نوعياً؟ وهل يشكل فتح السفارة الأميركية والاتصالات بين بعض الحكومات العربية وحكومة العدو بدايةً لتطبيق صفقة العصر؟
أولاً، بالنسبة للاتصالات بين بعض الحكومات العربية، وتحديداً الحكومات التي تدور في فلك الغرب فهي ليست جديدة وعمرها عمر الكيان الصهيوني. معروف أنّ ملك الأردن الراحل حسين بن طلال قال عندما جمعه لقاء مع إسحق رابين رئيس وزراء العدو، وهو اللقاء الذي قاد إلى توقيع اتفاق «وادي عربة» وتطبيع العلاقات بين الأردن والكيان الفلسطيني عام 1994، إنّ هذا اللقاء هو اللقاء العشرون الذي يجمعه مع رابين، أما اللقاءات الـ 19 السابقة التي امتدّت على سنوات فكانت لقاءات سرية مثل اللقاءات التي تتمّ الآن بين بعض الحكومات العربية والكيان الصهيوني. كما أنه من المعروف أنّ السلطة الفلسطينية تطبّع مع «إسرائيل» منذ توقيع اتفاق أوسلو، وكذلك مصر تقيم علاقات طبيعية وأحياناً أقرب إلى التحالف مع الكيان الصهيوني منذ توقيع اتفاقات «كامب ديفيد»، وبعض الحكومات الخليجية وحكومات المغرب وحكومات تونس في عهد الرئيس زين العابدين بن علي كانت تجري اتصالات أقوى وأوسع وأرفع من الاتصالات التي تجريها بعض الحكومات العربية الآن مع الكيان الصهيوني، من هذه الناحية لا جديد في الاتصالات العربية الإسرائيلية يسمح بالاستنتاج أنّ صفقة يتمّ تنفيذها الآن وقطعت مراحل بالاستناد إلى هذه الاتصالات.
أما بالنسبة لنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، فهو من الناحية الشكلية يبدو وكأنه شيء جديد، ولكن إذا أخذ بعين الاعتبار جوهر العلاقات الأميركية «الإسرائيلية»، ومستوى الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني، فإنّ ذلك لا يعكس أيّ تحوّلٍ جوهريّ في موقف الولايات المتحدة، إلا إذا كان هناك من كان يعتقد أنّ ثمة خلافاً فعلياً بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويصدق أنّ الولايات المتحدة تريد السلام القائم على العدل، أو حتى تقبل حلّ الدولتين كما تريده قيادة منظمة التحرير.
خلاصة الكلام أنّ «صفقة العصر» التي يجري الحديث عنها هي مجرّد جهد تقليدي تبذله الولايات المتحدة وبعض الحكومات العربية المرتبطة بها لتمرير تسوية تسمح بتطبيع العلاقات بين هذه الحكومات والكيان الصهيوني، ولكن الانحياز الأميركي الأعمى حتى بالشكل لصالح الكيان الصهيوني، وممارسات العدو الصهيوني، وآخرها «قانون القومية»، يضع عقبات وعراقيل أمام هذه الجهود أكبر من تلك التي حالت في السابق دون نجاح صفقة بهذا المضمون.