“أمير سوليدير” محاصر بمجلس إدارة مقرر: محمد وهبة
انتخبت الجمعية العمومية لشركة سوليدير مجلس إدارة جديداً من ضمن صفقة بين سعد الحريري، علاء الخواجة، وأنطون صحناوي. الاتفاق يتضمن بقاء ناصر الشماع في رئاسة مجلس الإدارة محاصراً بثمانية أعضاء جدد، أبرزهم نادر الحريري وغازي يوسف ومحمد شقير، وأربعة ممثلين مناصفة بين بنك البحر المتوسط وسوسييتيه جنرال
قبل أيام من موعد انعقاد الجمعية العمومية العادية لشركة سوليدير، أبرمت صفقة بين ثلاثة أطراف أساسية في الشركة تقضي بتقاسم مجلس الإدارة. لكل من هؤلاء الثلاثة حساباته الخاصة. رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، لم يكن يريد خسارة السيطرة على هذه الشركة، فاضطر تحت الضغط إلى تقديم تنازلات لكل من شريكه في بنك البحر المتوسط علاء الخواجة، ورئيس مجلس إدارة مصرف سوسييتيه جنرال أنطون صحناوي. وافق على منح كلّ منهما عضوين في المجلس، في مقابل احتفاظه بقوّة نسبية في المجلس تضمن وجود ابن عمته ومدير مكتبه السابق نادر الحريري في عضوية مجلس الإدارة الجديد.
شكلت الجمعية العمومية، بنتائجها المتوقعة، أمس، ترجمة دقيقة للصفقة. بموجبها، استبدل بثمانية أعضاء في المجلس ودخل بدلاً منهم كل من: نادر الحريري، رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير، النائب السابق في كتلة المستقبل غازي يوسف، طارق شهاب وزياد أبو جمرة ممثلين لأنطون صحناوي، رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، ممثّلاً بلدية بيروت، ريكاردو رحمة وحسان قباني اختارهما علاء الخواجة لتمثيل بنك البحر المتوسط. هكذا، بقي من المجلس القديم: ناصر الشمّاع، رفول صباغة، رجا سلامة (شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة)، مكرم عبّود (يمثّل المساهم في الشركة فادي البستاني).
ويتوقع أن يعقد مجلس الإدارة الجديد جلسة سريعة له لتنفيذ الجزء الأخير من الاتفاق القاضي بإعادة انتخاب الشمّاع رئيساً لمجلس الإدارة وانتخاب نائبين للرئيس، أحدهما يكون شيعياً (غازي يوسف) واسم مسيحي لم يكن هناك اتفاق عليه حتى مساء أمس.
بهذه النتيجة، يمكن تسمية المجلس الجديد «مجلس محاصرة ناصر الشمّاع». الرجل أدار سوليدير لأكثر من 24 سنة بنحو شبه مطلق، وكان يملك النفوذ الأكبر فيها لجهة ما يتعلق بعمليات البيع والتطوير، بما فيها تلزيم الأشغال للمتعهدين، والقرارات المتعلقة بالتوسع خارج لبنان، والانخراط في نشاطات ذات طابع سياحي من خارج اختصاص الشركة والتوظيف… لذا، لا يتوقع أن يبقى الشمّاع لفترة طويلة من دون هذا النفوذ الذي جعله أميراً على إمارة سوليدير بكل أعمالها من يوم إنشائها. هذه الشركة التي استولت على أملاك أصحاب الحقوق في وسط العاصمة وفرضت عليهم تحويل ملكياتهم إلى أسهم بقيمة 10 دولارات للسهم الواحد بعد تخمين بائس لأسعار عقاراتهم، كانت مرتعاً للشمّاع وانتفاع المقربين منه من أعضاء مجلس الإدارة وأنسبائه وكبار المديرين في الشركة. باعوا أكثر من نصف مخزون الشركة من العقارات، ولم يحصل المساهمون خلال 24 سنة إلا على مردود لا يتجاوز 7 دولارات للسهم الواحد. كذلك غرقت الشركة في الديون وأصبحت ملاءتها المالية ضعيفة جداً رغم حيازتها أكثر من 1.7 مليون متر مربع من الأصول الصافية القابلة للبناء. ما يجب على الشركة تسديده خلال سنة واحدة يزيد على 500 مليون دولار، فيما تحمل في ميزانيتها ديوناً مشكوكاً بتحصيلها بقيمة 262 مليون دولار. وسجلت في عام 2017 خسائر بقيمة 116 مليون دولار.
على أي حال، كان حجم الحضور في الجمعية العمومية لافتاً للانتباه. من أصل 165 مليون سهم يتألف منها رأس مال الشركة، حضر ممثلون عن 98 مليون سهم، أي 59.3%، وهي تُعَدّ أكبر نسبة من المساهمين الحاضرين في الجمعيات العمومية. أكبر المساهمين كان سوسييتيه جنرال الذي يمثّل 31.5 مليون سهم، أي ما يوازي 19% من الأسهم، ويليه بنك البحر المتوسط الذي يمثّل 17.5 مليون سهم، أي ما يوازي 10.8% من الأسهم، ثم بنك لبنان والمهجر الذي يمثّل 8 ملايين سهم، أي ما يوازي 4.8% من الأسهم، وفادي بستاني الذي يمثّل 3% من الأسهم، وناصر الشمّاع الذي يمثّل 3% أيضاً جمعها من خلال توكيلات من مساهمين مختلفين، وبلدية بيروت التي تمثّل 3.9 مليون سهم، أي ما يوازي 2.36% من الأسهم، بالإضافة إلى 27 مليون سهم تمثّل مجموعات متفرقة من أفراد ومصارف متخصصة ومصارف تجارية وسواها.
استمرت الجلسة من التاسعة والنصف صباحاً حتى الساعة الثانية من بعد الظهر. نوقش جدول أعمال من سبع نقاط، أبرزها البيانات المالية للشركة، وإبراء ذمة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة عن عام 2017، وانتخاب أعضاء مجلس إدارة جدد، وتحديد تعويضاتهم. غير أن أبرز ما حصل في الجلسة حجم الانتقادات الموجّهة إلى الشمّاع. غالبية أجوبة الشمّاع كانت عبارة عن اتهامات للمساهمين باستعمال مفردات وكلمات وردت في جريدة «الأخبار». على سبيل المثال، سأله جان داغر عن كيفية تسديد الشركة أنصبة الأرباح المستحقة للمساهمين عن السنوات السابقة، فاتهمه مباشرة بأنه يكرّر ما ورد في «الأخبار»!
سئل أيضاً عن قضية الاختلاس المتعلقة بمدير الأسواق السابق رامي العريس، فردّ قائلاً: لا أريد أن أدخل بالتفاصيل، لكن المبلغ هو 2 مليون دولار وليس 4 ملايين، والعريس وقّع وثيقة تقضي بردّ المبلغ. سئل: هل ردّ المبلغ؟ فامتنع الشمّاع عن الإجابة. سأله أحد المساهمين: لماذا لم تدّعِ عليه بالسرقة والاختلاس؟ لم يجب أيضاً… سئل أيضاً عن الصفقة التي أبرمتها الشركة مع نسيبه نمير قرطاس، فلم يُجب عمّا إذا كانت الشركة قد عقدت صفقة معه أو لا!
ربط الشمّاع النتائج المالية السلبية للشركة، بأوضاع لبنان المتأزمة، ولا سيما قطاعه العقاري، لكنه فضّل التركيز على أن شركة عالمية (لم يسمها) أجرت دراسة عن أصول الشركة، وتبيّن أن مخزونها يبلغ 6 مليارات دولار، أي ما يوازي 35 دولاراً للسهم.
سئل أيضاً عن رواتب مجلس الإدارة الباهظة والمخصصات التي يحظون بها، ما شكّل ضغطاً فرض على الجمعية العمومية خفض تعويضات أعضاء المجلس من 25 ألف دولار سنوياً إلى 15 ألفاً.
ومن أهم النقاط التي أثيرت في الجلسة أن الجمعية العمومية وافقت على وضع خطة لبيع العقارات تتضمن تسديد الثمن بالأسهم وتخمين قيمة السهم بأكثر من قيمته السوقية (7.2 دولارات حالياً). خلال ستة أشهر سيضع مجلس الإدارة الجديد هذه الخطة ويقرّر كيفية التسديد بالأسهم ونسبتها مقابل النسبة النقدية في عمليات الشراء.
في النهاية، أُبرئت ذمة مجلس الإدارة، وخرج صغار المساهمين فارغي اليد، وفازت قوى السياسة التي تمارس البزنس في إعادة تعزيز سيطرتها على الشركة وانتخبت مجلس إدارة «على ذوقها» بالاستناد إلى صفقة تعيد إنتاج القوى نفسها في الشركة، وربما وضعت نادر الحريري على رأس الشركة بعد الشمّاع. محاولة صغار المساهمين باءت بالفشل ولم يحظَ خمسة مرشحين بنسبة أصوات تخوّلهم المشاركة في إدارة الشركة.
(الاخبار)