“إسرائيل” المحاصَرة تحاصِرُ نفسَها: ناصر قنديل
– لا يحتاج القانون الإسرائيلي الخاص بتثبيت الهوية اليهودية لكيان الاحتلال إلى شرح بصفته قانونا عنصريا، أو بصفته قانوناً عدوانياً على الوجود العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 يمهّد لتهجيرهم كفائض سكاني مقلق لنقاء الهوية اليهودية، ويُسقط في آن أي حديث عن مبرر لقبول فلسطيني وعربي بمفهوم الدولتين كإطار للتسوية، الذي قام أصلاً على توافق ضمني بحقوق مدنية وسياسية للعرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 48 مساوية للمستوطنين الصهاينة، حتى كان المتطرفون الصهاينة يبررون رفضهم قيام دولة فلسطينية، بالقول إن الفلسطينيين سيربحون دولة ونصفاً، دولة فلسطينية، ونصف دولة بمشاركة العرب الفلسطينيين في الكيان المقام على الأراضي المحتلة عام 48، بحيث صار ما بعد القانون الجديد يعني أن القبول الفلسطيني والعربي بتسوية الدولتين تتضمّن قبولاً بتهجير العرب الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948، ليضاف هذا القانون لاعتماد القدس كعاصمة موحدة لكيان الاحتلال، واستبعاد مطلق للتفاوض على عودة اللاجئين، وحصر التفاوض بحجم السيادة في مدن الضفة وغزة، ما يعني شرحاً كاملاً لمفهوم عروض التسوية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية المتبناة أميركياً وخليجياً مشروع مذبحة مفتوحة بشرياً وثقافياً وتاريخياً ودينياً ووطنياً .
– فهم خطورة القانون من جهة، والموقف المناهض له بقوة من جهة ثانية، وفضح مضمون صفقة القرن المذلّة والمهينة التي يتّجه حكام الخليج إلى تبنيها علناً، شيء، وتفسير الخلفية الفعلية للموقف الإسرائيلي شيء آخر. فهو حاجة ملحّة لفهم الموازين الحقيقية الحاكمة للصراع مع المشروع الصهيوني، بعد حرب مفتوحة منذ العام 2000، يخوضها محور المقاومة تسبّبت بتصدع هيبة كيان الاحتلال، وإفقاده القدرة على الذهاب لحرب، وأسقطت قوة ردعه التقليدية، لنقرأ ما إذا كان القانون الجديد عنصر تزخيم للقوة الإسرائيلية، وعلامة على نهوض جديد لمصادر قوة المشروع الصهيوني، أم هو واحدة إضافية من علامات المأزق الاستراتيجي، الذي دخله ولا يعرف كيف يخرج منه، والجواب يقدّمه المشهد المحيط بكيان الاحتلال، حيث في ما يخصّ المواجهة مع المقاومة على جبهة جنوب لبنان إجماع إسرائيلي على عدم اللعب بالنار، وتحذيرات إسرائيلية للحكومة والجيش من أن ارتكاب أي حماقة قد تنتهي بحرب مدمرة وهزيمة مدوية. وعلى الجبهة السورية التي كانت محور رهان إسرائيلي استراتيجي للخروج من المأزق بقيام حكم جديد لسورية يسيطر عليه حلفاء إسرائيل، وقد تبخّر الحلم و«إسرائيل» تعترف بأن انتصار الرئيس السوري بخياراته المعروفة صار كالقدر لا يردّ، ومحاولات الاستعانة بالصديق الأميركي تفشل بنيل ضمانة روسية بإخراج المقاومة وإيران من روسيا. وسقف الممكن هو نشر مراقبي الأندوف ضمن صيغة تمهّد لإنعاش الحراك نحو انسحاب إسرائيلي من الجولان بدلاً من ضمه، وفي غزة مع كل تصعيد تسقط القذائف على المستوطنات الصهيونية، وتذهب «إسرائيل» لنصف حرب، يأتي التراجع الإسرائيلي نحو هدنة، لأن قرار الحرب صعب ومكلف، وربما فوق طاقة «إسرائيل».
– إسرائيل المحاصرة من كل اتجاه، تقوم بحصار نفسها، بقوة الأيديولوجيا، والخوف من التاريخ والجغرافيا، بقانون الهوية اليهودية يُنقل الحصار إلى داخل الأراضي المحتلة العام 1948، ويوحّد النضال الوطني للعرب الفلسطينيين في كل الجغرافيا الفلسطينية ويفضح تفاهة ووضاعة كل مَن يتحدّث عن فرص للتسوية وجدوى للتفاوض، وفي أي مواجهة مقبلة، وهي مقبلة، سيجد كيان الاحتلال الذي فرح بالقدس عاصمة يعترف بها الأميركي، كما فرح بقانون الهوية اليهودية، ويفرح بصفقة العصر، أنه لا يفعل سوى تفخيخ الأرض التي يقف فوقها. فالأرباح على الورق شيء، والخسائر في الجغرافيا والديمغرافيا شيء آخر.