فرصة لبنانية قد تقطفها تركيا: النازحون والترانزيت: ناصر قنديل
– ثابتتان واضحتان لجهة التطورات الجارية في سورية والمحيطة بها لهما صلة مباشرة بفرص متاحة لدولتين جارتين لسورية هما لبنان وتركيا، الثابتة الأولى هي أنّ فتح معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية يلاقي ترحيباً وتسهيلاً دولياً وأردنياً، رغم التلاعب السياسي الكثير بكلّ ما يشرعن النصر السوري، والواضح أنّ الاستثناء يشمل فتح هذا المعبر الحدودي لجهة السعي لضخ المزيد من دماء الحياة في شرايين الاقتصاد الأردني التي تعاني الجفاف. والطريق للبضائع الأوروبية إلى الخليج يمرّ بمعبر نصيب، لكن بدايته تكون عند مرفأ بيروت أو عند معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية. وبين لبنان وتركيا فرص الاستثمار الأولى لهذا التطوّر، أما الثابتة الثانية فتتصل بمستقبل ملف النازحين الذي خرجت قمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي والروسي بإشارة واضحة للتفاهم على فصله عن المسار السياسي بعد زمن من الإصرار الأميركي الذي تجسّد بمواقف أممية وأوروبية مساندة لربط عودة النازحين السوريين بالحلّ السياسي، في زمن الشروط الأميركية للحلّ، والتي تبدو قد تراجعت من الواجهة ورتبت الإفراج عن عودة النازحين، وبين لبنان وتركيا فرص الاستثمار الأولى لهذا الفصل .
– سارع الأتراك فوراً لإرسال بادرة حسن نية نحو سورية وحلفائها، لإثبات التزامهم المعطل لسنتين بمضمون تفاهمات أستانة وما تمّ الاتفاق عليه لجهة تحرير رهائن الفوعة وكفريا. ويأمل الرئيس التركي، الذي خاض انتخابات مبكرة كي يقود التفاوض حول علاقته بسورية خلال هذا العام وهو متحرّر من ضغوط الانتخابات، أن يقطف ثمار فتح معبر نصيب والتفاهم الأميركي الروسي على فصل عودة النازحين عن المسار السياسي، بتسهيل الوصول لتفاهم أمني سياسي بشراكة روسية إيرانية، ترضاه الدولة السورية، ينتهي بفتح معبر باب الهوى ويسهّل عبور الطريق الدولية بين المعبر والداخل السوري وصولاً لحدود الأردن، ويسهّل معه الطريق لعودة النازحين المقيمين في تركيا ومنحهم الأولوية في خطط العودة، مستفيداً من ارتباك الحال السياسية وضعف الإرادة لدى الحكومتين في لبنان والأردن على اتخاذ قرارات شجاعة، تتعارض مع المساعي السعودية لاستئخار كلّ مصالحة حكومية لبنانية وأردنية مع الحكومة السورية ريثما تنضج المصالحة السعودية مع الحكومة السورية أولاً.
– تستطيع الحكومة الأردنية التباطؤ في المصالحة مع الحكومة السورية التي تهيّئ الظروف لبرمجة عودة النازحين السوريين، والاكتفاء بعائدات معبر نصيب وتجارة الترانزيت، دون أن يهمّها مَن الذي يقطف ثمار فتح طرفه النهائي على الجهة الأردنية، ويستثمر فتح طرفه الأول قبل الآخر، سواء أكان لبنان أم تركيا، بينما لبنان لا يستطيع الاستفادة من أيّ من التحوّلين إلا إذا سارع للمصالحة الحكومية التي يتمّ تأخيرها بتعذيب لبناني للذات بلا مبرّر، إرضاء لمزاج سعودي مراهق وانتقائي وانتقامي كثيراً. والانتقام هنا من رئيس الحكومة اللبنانية وليس من سورية، التي يتساوى بنظرها أن يعود نازحوها من لبنان أو من تركيا، كما تتساوى عائداتها من الترانزيت سواء كان الممرّ الأول للبضائع عبر معبر على الحدود مع لبنان أم مع تركيا، والتفضيل السوري للبنان هنا عاطفي، وليس سياسياً ولا اقتصادياً.
– الفرصة متاحة للبنان، لأن ليس لديه مشاكل من النوع الذي يعيق الاستثمار من الغد إذا توافرت المشيئة السياسية، فلا ملابسات أمنية تشبه وضع إدلب، ولا المعابر الحدودية اللبنانية مع سورية تشبه حال المعابر التركية إليها، ولا تداخل بين النزوح واللعب الأمنية والسياسية في لبنان بحجم ما هو في تركيا. والفارق الوحيد أنّ في تركيا مركز قرار دستوري وسياسي مستقلّ يستطيع تجسيد ادّعاءه بالقول تركيا أولاً، وفي لبنان تشتت في مركز القرار السياسي والدستوري، وإصرار رئيس الجمهورية على حلّ عاجل لمشاكل العلاقة بالحكومة السورية كفرصة للاستثمار السريع على تحوّلات ملفي النازحين والترانزيت، يقابله تردّد وارتباك في موقف رئيس الحكومة، ربّما هو مضمون التردّد والارتباك ذاته الذي يخيّم على المشهد الحكومي.