إيران والمقاومة باقيتان في سورية وروسيا في إيران لإعمارها بمئة مليار دولار؟: د. عصام نعمان
طار بنيامين نتنياهو إلى موسكو ليقنع فلاديمير بوتين بإبعاد إيران عن سورية في مقابل إلغاء العقوبات الأميركية على روسيا. مهمة نتنياهو تلك أجمعت على تأكيدها وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن بعضها، ولا سيما «هآرتس» 2018/9/11 ، زعم أنّ موسكو أوضحت لتل أبيب في مناسبات عدّة أنّ أقصى ما تستطيع عمله هو «انسحابٌ للقوات الإيرانية والفصائل المتعاونة معها، بمن فيها حزب الله، من الحدود مع «إسرائيل» في الجولان المحتلّ، لكن ليس في مقدورها إجبار إيران على مغادرة الساحة السورية ».
في موسكو أكّد الرئيس الروسي لرئيس الحكومة الإسرائيلي عدم قدرة بلاده، وربما عدم رغبتها أيضاً، في مطالبة إيران بمغادرة سورية. في زيارته الثالثة لموسكو بغضون نصف سنة وقبل ثلاثة أيام من وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إليها للقاء بوتين، تبلّغ نتنياهو أمراً آخر أشدّ مدعاة للخيبة هو رفض الرئيس الروسي عرضه المريب بإبعاد إيران عن سورية لقاء إلغاء العقوبات الأميركية على بلاده.
إذ عاد نتنياهو خالي الوفاض من موسكو، لم يتورّع مسؤول «إسرائيلي» كبير عن التصريح، بحسب صحيفة «يسرائيل هيوم» 2018/7/12 القريبة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بأنه «حثّ موسكو على تشجيع القوات الإيرانية على الخروج من سورية»، كأنما طهران راغبة في المغادرة ولا ينقصها إلاّ مَن يشجعها على ذلك!
غير أنّ نتنياهو كما ترامب لم ينتظرا طويلاً لمعرفة حقيقة موقف روسيا من هجمتهما المتصاعدة على إيران وسورية والمقاومة. ذلك أنّ مبعوث المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي ومستشاره للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي صرّح فور خروجه من اجتماعٍ مع بوتين استمرّ ساعتين: «الاجتماع كان بنّاء جداً وواضحاً. والعلاقات بين إيران وروسيا ترسّخت وستشهد المزيد من التطور مستقبلاً».
المؤشر الأبرز على نجاح اللقاء هو إشارة ولايتي الى انّ المحادثات تطرّقت الى ترفيع التعاون النفطي بين البلدين، اذ استعرض بوتين أمام المبعوث الإيراني إحصائيات مفادها انّ التعاون في مجال النفط يمكن رفعه إلى 50 مليار دولار بشكل استثمارات روسية جديدة، وهو رقم اعتبره ولايتي انّ بإمكانه «تعويض إيران مساهمات الشركات التي غادرت البلاد هرباً من العقوبات الأميركية». أكثر من ذلك، وسائل إعلام قريبة من طهران أكدت أنّ مئة مليار دولار هي حجم الاستثمارات الروسية التي يدور الحديث عن توزيعها مناصفةً بين قطاعيْ النفط وسكك الحديد الإيرانيين، كما ستشجع موسكو الصين على أن تحذو حذوها، وتساعد على تفاهمات نفطية مع كلٍّ من الهند وباكستان بعد انضمامهما الى منظمة شانغهاي. إلى ذلك كله، لا تغيير في موقف موسكو من وجود إيران في سورية. الأمر الذي حمل ولايتي على القول بثقة: «إنّ إيران لم تأتِ إلى سورية بطلب من أميركا حتى تخرج بطلبٍ منها … المطلوب خروج أميركا بقواتها من الشرق الاوسط وإلاّ سيجري إجبارها على ذلك».
ما سرّ هذا التعاون الوثيق بين روسيا وإيران؟
ثمّة أسباب عدة أبرزها ثلاثة:
أولها، أنّ البلدين يشعران بأنّهما مستهدفان مباشرةً من أميركا على المستويين الإقليمي والدولي ما يستوجب التنسيق بينهما لمواجهة التحدي المشترك.
ثانيها، أنّ أميركا و«إسرائيل» تدعمان مختلف التنظيمات الإرهابية لمحاربة روسيا وإيران في عقر دارهما، كما في ساحات إقليمية تقوم فيها حكومات وتنظيمات مقاومة متعاونة معهما كسورية والعراق ولبنان وفلسطين. هذا بالإضافة الى وجود قواعد عسكرية لروسيا في سورية منذ أكثر من نصف قرن ولها دورها في حماية مصالحها ونفوذها في غرب آسيا.
ثالثها، إنّ العقوبات الأميركية على كلٍّ من روسيا وإيران تشكّل في الواقع «نعمة» لكلتيهما. ذلك أنها تمنح روسيا فرصاً ومكاسب ثمينة لقاء المشاركة في مشروعات الإعمار والتنمية في إيران وسورية اللتين تتعرّضان لعقوبات أميركية قاسية تحول دون حصولهما على الرساميل والقروض والمساعدات اللازمة في هذا المجال.
إلى ذلك، ثمة هدف استراتيجي بالغ الأهمية الاقتصادية تتطلع كلٌ من روسيا وإيران وسورية الى تحقيقه، وهو يتطلب تنسيقاً وتعاوناً بينها. إنه الحرص على أن تبقى أوروبا المستورد الوحيد أو، في الأقلّ، السوق الرئيسة للغاز الروسي كما الإيراني والسوري والعراقي واللبناني في مقبل الأيام. فالولايات المتحدة تسعى إلى ان تصبح المورّد الوحيد أو الرئيس للغاز الذي تفتقر إليه أوروبا. لكن الغاز الأميركي أكثر كلفة من الغاز الروسي ما يجعل أوروبا أكثر اهتماماً وحرصاً على تأمين حاجاتها الغازية من روسيا ودول غرب آسيا الأقرب اليها.
لهذا السبب حرصت موسكو على تحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية مع أنقرة والعمل على اجتذابها بعيداً من أميركا وحلف شمال الأطلسي، لأنّ تركيا تشكّل، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، ملتقى خطوط نقل الغاز ومدخلها إلى أوروبا في آن. فخطوط الغاز الممتدّة من روسيا ولاحقاً من إيران والعراق وسورية ولبنان وربما من مصر أيضاً تلتقي في تركيا وتتوزّع منها إلى شتى دول أوروبا المتعطشة لهذه المادة الأساسية لصناعاتها ومختلف أغراضها الحياتية. في منظور حاجتها الاستراتيجية لتركيا، سعت موسكو إلى تطوير علاقاتها معها فأبرمت اتفاقاً لتزويدها منظومة دفاعٍ جوي متطوّرة من طراز S-400 رغم كونها، أيّ تركيا، عضواً في حلف شمال الأطلسي المناوئ لروسيا.
«إسرائيل» متضرّرة جداً من التعاون الروسي – الإيراني -السوري المرشح ليصبح تحالفاً. فتقارب روسيا وتركيا وتعاونهما الاقتصادي، ولا سيما على صعيد نقل الغاز وتوريده الى أوروبا، يقلّل من فرص نقل الغاز الإسرائيلي عبر أنبوب تحت مياه البحر من «إسرائيل» إلى تركيا. وقد جاء في دراسة اقتصادية لخبيرين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي «مباط عال» 2018/7/10 أنّ طلب السوق التركية على استيراد الغاز الطبيعي سيزداد بصورة كبيرة في السنوات المقبلة من 55 مليار متر مكعب في سنة 2017 الى نحو 75 مليار متر مكعب في سنة 2025، وإن بإمكان روسيا توفير أكثر من نصف هذه الكمية، بالإضافة إلى 20 في المئة منها توفرها إيران. كما أنّ دولاً أخرى كالعراق ستنافس غيرها على خُمس هذه الكمية. لكن الدراسة لم تذكر إمكانية دخول سورية ولبنان ميدان المنافسة أيضاً، وهي إمكانية واقعية.
يتحصّل من مجمل هذه المعطيات والتطورات انّ إيران والمقاومة باقيتان في سورية، وكذلك روسيا، وأنّ الدول الثلاث تخطط لمزيد من التعاون والتحالف بينها لمواجهة أميركا و«إسرائيل»…
(البناء)