لماذا يتفشى العنف وينتشر ؟
غالب قنديل
تعددت مظاهر العنف المنتشر في لبنان ولا يمر يوم دون تسجيل جريمة جديدة لأتفه الأسباب كما حدث في مقتل شاب بطعنة سكين نتيجة تلاسن او “تزريكة ” عن المونديال وغيرها وغيرها ويتركز اهتمام السلطات على التعامل مع النتائج كالعادة وتغلب على معالجاتها بلادة الروتين والبيرقراطية الباردة البعيدة عن حرارة الدم المراق والأعزاء المذبوحين او المصابين برصاص الابتهاج الطائش ام المدرجين في قوائم ضحايا الجريمة المنظمة التي تديرها مافيات المخدرات وزمر اللصوص الناشئة وعصابات فارضي الخوات في الأسواق والشوارع لقاء حماية المخالفات بالشراكة مع من يفترض انهم مسؤولون عن تطبيق القوانين.
اولا التهميش ومزاحمة سوق العمل
تشعرأعداد متزايدة من الشباب والشابات بالضيق واليأس من العثور على فرصة عمل في لبنان او في الخارج وقد أدى الركود الاقتصادي الشديد إلى شح الفرص في الوطن والمهاجر نفسها التي ضاقت مجالات العمل المتاحة فيها وإن لم تنعدم فظلت املا يسعى إليه الخريجون الجدد الذين يبلغ عدد العاطلين منهم الأربعين بالمئة وفقا لآخر الإحصائيات طبعا ثمة مهن عديدة كسائقي سيارات الركاب وعمال الورش والمصانع وعمال المطاعم والفنادق وورش البناء والمتفرعات المتعددة عنها تشهد طوفانا في العمالة السورية والمصرية التي لا تقل اهلية علمية ومهنية عن اللبنانية وهي بكلفة أقل واحيانا بإتقان أعلى فيفضلها أرباب العمل في قطاع الخدمات الذي يشكو متاعب جمة ورغم ان الحاجة الخانقة أسقطت بعض الأعراف عند اللبنانيين فكم سائق سرفيس يحدثك عن شهادته الجامعية وبعضهم يعلق صورة عنها في السيارة وبالأمس حدثني صديق عن ذهوله بجامعي لبناني قصد محله طالبا وظيفة عامل توصيلات للزبائن والأمثلة كثيرة.
ثانيا التوتر الاجتماعي والنفسي
تنمو في ظلال الأزمة الاجتماعية الاقتصادية حالة شاملة من العصاب النفسي مع تعاظم الهوة الطبقية السحيقة بين فحش الغنى والفقر المدقع في المجتمع.
حتى المطمئنون إلى أبنائهم وبناتهم في الخارج من أبناء الطبقات الوسطى والمرتاحين إلى ما يوفره ذلك لهم من قدرة على ترميم مداخيلهم بانتظام يعيشون مرارة انقطاع العلاقات العائلية والإنسانية وهو توتر نفسي كامن يشكو منه معظم الشعب اللبناني من الطبقات الوسطى والفقيرة وتتحول المشاهد إلى مآس متكررة تنضح مرارة فالوطن لا يتسع لأبنائه ويصدرهم إلى الخارج ومن حق كل من ناضل وقاوم وصبر لتحرير البلد ان يطرح السؤال على نفسه : هل قدمنا التضحيات ليتربع نادي أكلة الجبنة على اكوام جوازات السفر وصور الأحبة المعلقة في جدران كل البيوت شقيقة الدمع والوجع وامل اللقاء الذي يتعذر غالبا ؟
ثالثا شيوع الإحباط واليأس وكذب الوعود
استهلكت قوى النظام جانبا مهما من سحرها التعبوي ومن وعودها بعدما استوت على عرش التقاسم الطائفي واستنفذت مفعول “شد العصب ” الذي هو الاحتياط الباقي لديها في زحمة المشاكل المستعصية ومصادر التوتر اليومي التي تشحن اعصاب اللبنانيات واللبنانيين كثيرة ومتعددة عدا عن البطالة والغلاء وشح الموارد من ازمة السير وصعوبات التنقل بين المنازل واماكن العمل إلى الفوضى الفالتة والنفايات التي طافت في الأحياء والشوارع وحرائق المزابل التي تلوث دماء جميع اللبنانيين وصعوبة ظروف الاستشفاء والطبابة رغم كثرة الصناديق ومرجعيات التأمين الصحي.
يسخر المواطن بكل أسى من تبخر الوعود وانكشافها ومن حلقة مفرغة تثبت عجر الحكومات عن انتشال الناس من حالة اليأس والإحباط بينما يذعنون لفواتير الكهرباء المزدوجة وبكل استسلام يتحدثون عن الخصخصة كقدر مقبول اما تلوث البحر والنهر وعري الجبل فيسلب اللبنانيات واللبنانيين مساحات التنفس والتفريج والحاصل غير الانتخابي :البلد بات حلقة مفرغة إلا من السموم والسمسرة.
رابعا عصاب جماعي وشحنات إعلامية
إنه عصاب جماعي متعدد المصادر يعبر عن نفسه بالسلوكيات العنفية التي تتوسع دوائرها وتتعدد مظاهرها بينما تلعب اللغة الإعلامية والسياسية دورا حاسما في شحنات العنف التي تطغى على أنماط التصرف الشخصي والجماعي وردود أفعال الناس وطرق التصرف التي ينقادون إليها في اللاوعي المحرك لأفعالهم.
وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تضج بالتعبيرات العنفية وسجالات السياسة وانماط التشويق الدرامي المحلية والمدبلجة هي غالبا مصدر شحن عنفي كذلك والمسألة تتحول إلى عدوى بنمطية التماهي السيكولوجي بين المتلقي و”أبطاله ” المتخيلين وهي لا تحل بوعظ كثيف لرفع مستوى لغة التخاطب فقط لأن الطبيعة الرثة للسلوك الإعلامي يحفزها البحث عن الإثارة وحسابات مالية عديدة سواء نتيجة ارتباط محلي او خارجي ينعكس بوظيفة محددة تملي لغة سوقية وتحريضية بينما تعلق القوانين وتلغى الضوابط بفعل طبيعة النظام السياسي الطائفي حيث لا يرف جفن المسؤولين إلا حين تطالهم أذية اللغة المتوحشة والبذيئة فيثورون ويستشيطون غضبا.