كيف نواجه تحدي المخدرات ؟
غالب قنديل
يغلب التفكير البوليسي والوعظ الأخلاقي على التعامل مع علة تفشي المخدرات وفي الواقع إن أيا من الطريقين : الملاحقات الأمنية للتجار والمروجين او بعض التصريحات والخطب الإرشادية الناهية ليست أصلا بالمحتوى او الشكل المؤهل لاستئصال الظاهرة والقضاء عليها ولا هي بالانتظام الكافي لخلق رأي عام معبأ ومشحون قادر على المبادرة والتحرك لمحاصرة تفشي المخدرات في كل مكان أي في المدارس والجامعات والشوارع والأحياء ومقاهي الأرصفة التي تتناسل بصورة مثيرة.
إن أي معالجة جدية يفترض ان تنطلق من خلاصة التجربة وعبراتها وخفاياها وهي تتطلب استنفارا حكوميا قضائيا أمنيا وإعلاميا وبلديا في المطارح مكان التراخي ورفع العتب الذي يسود لبنان في هذا المجال بل والاستعراض المقزز احيانا الذي تطرب له النخبة السياسية المتشاطرة بفن الخطابة.
الأرقام عن نسب الإدمان مفزعة في القرى والبلدات الصغيرة وهي تناهز الخمسة بالمئة ناهيك عن المدن الكبرى التي تعشش الآفة في احيائها الفقيرة وضواحيها المتعبة وكذلك في ربوعها الثرية المتخمة فالأثرياء تجرفهم المخدرات بوصفها من متممات الترف الاستهلاكي والبطر الاجتماعي بينما الفقراء يغتربون بواسطتها عن مشاكلهم المستعصية وحيث الهذيان والهلوسة طريقهم لعوالم متخيلة في لعبة انفصامية للتعويض النفسي.
ما تقوله الأرقام يكشف ان الإدمان عابر للطبقات وللطوائف والمناطق ويهدد جميع اللبنانيين وقد نشرت صحيفة النهار خلاصة تقرير معلوماتي جاء فيها : بينت الدراسات التي أجريت خلال السنوات الماضية على عينات من المدمنين على المخدرات بين الموقوفين بتهمة التعاطي المعطيات الآتية:
حشيشة 39% (وهي النسبة الأعلى كون الحشيشة متوافرة بأسعار متدنية مقارنة بأنواع المخدرات الأخرى).هيرويين 30 %. كوكايين 18%. حبوب مخدرة 13%..
أما تبعاً للفئات العمرية فقد توزعوا: بين 20 سنة وما دون 25%. – بين 21 سنة- 30 سنة 32%. بين 31 سنة- 40 سنة 16%. – بين 41 سنة- 50 سنة 14% – بين 51 سنة-60 سنة 10 %. وأكثر من 60 سنة 3%. وتبعاً للوضع الاجتماعي فإن 43% من المتعاطين متزوجون مقابل 57% غير متزوجين وتبعاً للجنس فان 80% هم ذكور مقابل 20% إناث.
وتبعاً للمستوى المعيشي: فإن 28 بالمئة هم من الطبقة الغنية. – 25% من الطبقة المتوسطة. و47% من الطبقة الفقيرة.
منذ سنوات يعلن بصورة دورية عن ضبط محاولات تهريب وتوقيف مهربين وكذلك عن القاء القبض على موزعين وتجار صغار لكن في معلومات الصحافة ظل الجناحان الأهم والأخطر في مافيا المخدرات خارج الملاحقات والتوقيفات وهم الرؤوس الكبيرة المحركة للتصنيع والتجارة ففي لبنان اكثر من تسعة معامل تنتج الكبتاغون وفق المعلومات المتداولة والعديد من ورش تصنيع الأفيون لاستخراج الهيرويين والكوكايين ولتوضيب الحشيش لتسويقه داخليا وخارجيا وجماعات تدير التجارة الكبرى داخليا وخارجيا وكذلك الرؤوس الكبيرة المتورطة بحماية المافيا من مسؤولين مدنيين او عسكريين ممن يشكلون اخطبوطا نافذا يسهم في تورية المطلوبين وإخفائهم وتفريغ حملات المكافحة من مضمونها لتصريف شحناتها في الرؤوس الصغيرة التي تتدحرج لافتداء “الكبار”.
ما لم يتخذ قرار سياسي كبير على أعلى المستويات لاستئصال المافيا المسؤولة عن التصنيع والترويج فلا مجال لقطع هذه السلسلة ويفترض للمعالجة الجذرية اتخاذ قرار قبل ذلك وربما سن قانون ينظم زراعة الحشيش والأفيون للأغراض الطبية بإشراف الدولة وضمان تسويق المحاصيل للشركات والدول الصناعية في العالم كما تفعل دول اخرى كتركيا والمغرب ولا بأس بدراسة علمية عن فرص التصنيع الدوائي في لبنان وتأسيس شركة لبنانية تتولى المهمة ولتكن مختلطة أي تملك الدولة حصة منها إلى جانب مساهمين محليين.
وجوه المكافحة تفترض حملة إعلامية مستمرة وتوجهات فنية ثقافية تطال مختلف وسائط التعبير وتضافر الجهود للتوعية بأشكال جذابة ومتنوعة وليس عملا وعظيا موسميا وكذلك يطرح نفسه تحدي مكافحة الفراغ عبر تنشيط الأندية الثقافية الاجتماعية والرياضية في المناطق كلها مدنا وأريافا ونشر المراكز البلدية كنظام لاجتذاب الشباب من منصات التهميش والإدمان والجريمة وكذلك نشر شبكة وطنية لمراكز التاهيل التي تعالج المصابين وهذه مشاريع عمل وطنية شاملة لبرنامج حكومي فعال تشترك فيها اكثر من وزارة لمكافحة تفشي المخدرات الذي يستوطن في الفراغ وفي غياب القضايا الاجتماعية القادرة على تفجير طاقات الشباب المشلولة من خلال الأنشطة التطوعية.