مركز أبحاث العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية يفتتح مختبره البين مناهجي بندوة “الإعلام وتنشئة الطفل العربي”
أدار عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية البروفسور محمد محسن ندوة ” الإعلام وتنشئة الطفل العربي” ، التي استضافت كل من مدير الشبكة العربية لتنمية الطفولة المبكرة الدكتور غسان عيسى في “قراءة للسياسات الإعلامية من منظور الهدف الخامس ــ أجندة 2030” والإعلامية والباحثة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الدكتورة ليلى شمس الدين في قراءة حول “النوع الاجتماعي والتنشئة الإعلامية – انثروبولوجيا الإعلام” (دراسة حالة تلفزيون ج – الجزيرة للأطفال).
حضرت الندوة عميدة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة البروفسورة مارلين حيدر نجار وعدد من أساتذة معهد العلوم الاجتماعية ومن كلية التربية والآداب، بالإضافة إلى جمع كبير من فعاليات إعلامية وثقافية واجتماعية وطلاب الدكتوراه من المعهد ومهتمين.
البروفسورة مها كيال
افتتحت الندوة رئيسة مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية البروفسورة مها كيال مرحبة بالحضور والمشاركين، مشيدة بأهمية الندوة علميا وأكاديميا وتربويا “وخصوصا أننا نعيش في زمن دخل فيه الاعلام عبر التطور التكنولوجي السريع كل مناحي حياتنا”، منوهة بإطلاق باكورة الندوات العلمية في مختبر البين مناهجي في مركز الأبحاث بعد أسبوع فقط من صدور تقرير المساواة بين الجنسين، والذي تناول الهدف الخامس من الأجندة 2030. لفتت كيال في كلمتها إلى أحد أهم أسباب تحولات المجتمعات المستمرة والمتزايدة بسبب تزايد التواصل فيما بينها، نتيجة تأثر ثقافتها الأساسية والثقافات الفرعية فيها بفعل التثاقف وماهية نوعه (تداخل بسيط أو عنفي)، مختتمة كلمتها بسؤال يطرح أمام هذا الواقع التحولي للمجتمعات: أين يمكن للجزئيات التثاقفية أن تذوب بشكل سلس وأين يأخذ ذوبانها وقتاً لتمتزج؟
وأشارت بروفسور كيال إلى أنّ” موضوع اليوم الخاص بالإعلام وتنشئة الطفل العربي يصب حكماً في صلب ما تقدم؛ فالرؤيا العالمية التي تمثلت بأهداف التنمية المستدامة قد دخلت وبسهولة في الاستراتيجيات التلفزيونية إلا أن انعكاساتها قد بيّن مكامن المقاومة الثقافية. فالقنوات تثاقفت وبشكل كبير في مسائل العلم، العمل، البيئة… وغيرها من أهداف التنمية المستدامة، أما في مسألة النوع الهوياتي فهنا برز المخيال في إعادة الصورة النمطية للأنا الجندرية لا سيما في الأعمال المنتجة محلياً“.
واختتمت رئيسة مركز الأبحاث كلمتها بالقول” إن موضوع النوع الاجتماعي سيصبح في مركز الأبحاث محوراً من المحاور البحثية الثابتة في مختبر البين مناهجي وذلك لأهمية فهم ذاتنا الثقافية وتحولاتها المجتمعية، لبناء رؤيا مستقبلية واضحة تتوافق وخصوصية هذا التحول مع الأخذ بالاعتبار التطلعات الحلم التي نصبو إليها“.
البروفسور محمد محسن
قدّم البروفسور محسن الندوة كما قدّم المحاضرين، وأدار النقاش؛ بعد أن تحدّث بإسهاب عن مراحل تطور نظريات التأثير في الإعلام: التأثير المباشر، التأثير غير المباشر، نظرية الاستخدام والإشباع والتأثير الثقافي، مشيراً إلى أن كل تأثير مشروط بعوامل معينة. ولفت إلى أهمية استخدام الإعلام في عملية التنشئة، ولا سيما تنشئة الطفل على القيم السليمة ليكن عنصرا فاعلا في مجتمعه، وكذلك كيفية استخدام الإعلام لنمو الطفل في بيئة طبيعية، خصوصا انه يؤثّر على توجهاته وتطلعاته. واختتم العميد محسن كلمته مؤكداً على سعيه من خلال المعهد العالي للدكتوراه على فتح المسارات العلمية التي تسمح بمعالجة البحث الأكاديمي من مختلف الجوانب العلمية.
الدكتور غسان عيسى
حدّد عيسى المبادئ العامّة لتنمية الطفولة بتمحورها حول مرتكزات أساسية تتضمن” المحددات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والفئات العمرية وإيكولوجيا الطفولة إضافة إلى النهج الشمولي التكاملي الدمجي، ومنظومة مبادئ الحقوق” مشيراً إلى أنّ تحقيق المساواة حسب النوع الاجتماعي وتمكين كافة النساء والفتيات، لا يتم بمعزل أو بالتغاضي عن الفتيان؛ كما لفت إلى وضع الأطفال العرب الذين يعانون من اللامساواة للنوعين الاجتماعيين، وللفقر، كما لموضوع العدالة الاجتماعية، وللعنف والحرب.
وأعرب عيسى عن رأيه أنّ أهداف التنمية البشرية الـ 17 من الأجندة 2030 والمتضمنة لـ 169 مؤشر تطال جميعها الأنسان وتعمل لأجله، ولا يمكن فضل هدف منها عن الآخر، ملخصاً هذه الأهداف ضمن ستة مسارات تهدف إلى حماية الكوكب، وتحقيق الشراكة والعدل والرخاء والعيش بكرامة وضمان التمتع بموفور الصحة وتوفير المعرفة وإدماج النساء والأطفال، وانتهى الدكتور عيسى إلى 10مجالات للعمل الإعلامي على أهداف التنمية، بعد أن أكّد على ضرورة العمل في شراكات مرتكزة على تفعيل الفكر الجماعي وتعزيز الملكية الجماعية، وتثمين جهود الآخرين والتواصل معها بما يعزز الاستمرارية وتراكم المعرفة والخبرات؛ مع تأكيده إلى عدم توفّر الأموال لإجراء الأبحاث حول هذه الأمور الأساسية بغية تقييم المراحل التي أنجزت، كما بهدف الانطلاق من قراءة صحيحة للواقع الموجود ليبنى على الشيء مقتضاه.
الدكتورة ليلى شمس الدين
بدأت شمس الدين مداخلتها عن “النوع الاجتماعي والتنشئة الإعلامية” متناولة دور الإعلام وقوة تأثيره في وقتنا الراهن، مستشهدة بمقولة تشومسكي حول وصفه “الإعلام بالآلة السحرية التي يمكنها توجيه الرأي العام وتحويله إلى النقيض وتعبئته وتصوير ما ليس له وجود على أنه واقع ليس منه مفر”، واستتبعته بمقولة بوديار التي وصّفت الإعلام في عالمنا اليوم الذي “تنتشر فيه وسائل الإعلام بقوّة لا يعيش الناس الواقع بقدر ما يعيشون الصور والمشاهد التي تبثها وسائل الإعلام المحيطة بهم من كل جانب”، منطلقة من أهمية البحث عمّا تقدّمه قنوات التلفزيون المخصّصة للأطفال لافتة إلى خطورة هذا الأمر تحديداً على الأطفال، في زمن “يزداد عدد القنوات المتخصّصة للأطفال والتي تتوجّه إلى أكثر من 2 مليار طفل في العالم تحت عمر 18 سنة“.
وتطرّقت شمس الدين إلى مراحل الطفولة وأهميتها في تكوّن ملامح شخصية الإنسان من: القيم، والعادات، والاتجاهات، وكيفية نمو الميول والاستعدادات، مشيرة إلى مسار نمو الطفل الجسمي والعقلي والاجتماعي والوجداني، بدءاً من مرحلة الطفولة المبكرة وإلى مرحلة ما قبل المراهقة، وهي مراحل أساسية في تكوّن الشخصية واكتساب المعايير والقيم والقدرة على تقييم السلوك، وأهمية هذه المراحل في حياة الإنسان، كونها تختزن تطوّر الفرد المعرفي والاجتماعي والثقافي، وفهمه للأبعاد المادية، والاجتماعية، والثقافية للعالم الذي يعيش فيه، إذ يؤثّر ما يكتسبه على تصرّفاته ومواقفه ووجهة نظره تجاه العالم الذي يحيط به.
كما دعّمت شمس الدين عرضها بالأرقام والإحصاءات لتبيان الواقع المتسارع بوتيرة مذهلة تستوجب البحث والتقصي، مستندة في عرضها على ما خلصت إليه في دراستها البحثية التي تناولت فيها ” تشكيل ثقافة الأطفال من خلال البرامج التلفزيونية” بشأن ما يتعلّق بالخصوصية الثقافية التي تحملها قنوات الأطفال التلفزيونية من إرث محمّل بخزان القيم التقليدية المتوارثة للعادات والتقاليد على الرغم من سياسات الانفتاح تحت تأثير العولمة.
وختمت الدكتورة شمس الدين بالقول “إننا نجد أنفسنا أمام ميادين إعلامية مفتوحة لتشكيل ثقافة الأطفال تنحو نحو تشكّل هويات هجينة، ربما، وليس نحو هوية واحدة، وهو ما يدفعنا إلى طرح سؤال حول السمة الغالبة، وربما الجامعة بين هذه الهويات على تعدّدها، تساؤل مفتوح ينتظر المزيد من البحث والتقصّي محاولة للإجابة“.
اختتمت الندوة بأسئلة الأساتذة والحضور الذين أغنوا اللقاء بمداخلاتهم التي فتحت الآفاق للنقاش وطرح الإشكاليات.