لماذا عطّلت الولايات المتحدة تسوية الجنوب؟: حميدي العبدالله
عشية بدء الجيش السوري لعمليته العسكرية لتحرير المنطقة الجنوبية أعلنت كلّ من روسيا وبعض المسؤولين الصهاينة عن التوصل إلى اتفاق يجنّب المنطقة معركة عسكرية مثل المعركة التي بدأت الآن. وتتضمّن التسوية انتشار الجيش العربي السوري في المنطقة وتسوية أوضاع المسلحين الذين يرغبون بالتسوية، وترحيل من يرفضون التسوية إلى منطقة إدلب .
لكن عندما سُئل وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن هذه التسوية قال في مؤتمره الصحافي لا تصدّقوا أيّ شيء حول التسوية قبل أن تشهدوا تفكيك قاعدة التنف.
بعد هذا التصريح انحسرت التصريحات المتفائلة بشأن التسوية في منطقة الجنوب، وحلّ محلها توجيه التحذيرات وتبادل التحديات، واشنطن حذرت الجيش السوري وروسيا، والجيش السوري أعلن تصميمه على خوض المعركة وحشد القوة اللازمة بما في ذلك التحسّب لتدخل عسكري أميركي أو إسرائيلي.
واضح أنّ الولايات المتحدة كانت موافقة على التسوية طالما أنّ هذه التسوية لا تتحدّث عن تفكيك القاعدة العسكرية الأميركية في التنف، حيث تؤدّي هذه القاعدة دوراً حيوياً في قطع شريان تواصل رئيسي بين سورية والعراق، وتوفر ملاذاً آمناً لجماعات إرهابية، بما في ذلك جماعات من داعش تشنّ هجمات متوالية على القوات السورية بهدف الضغط على الدولة السورية لقبول الإملاءات الأميركية.
يبدو أنّ الولايات المتحدة عطّلت التسوية لكي لا تفكك قاعدتها العسكرية، وبالتالي قبلت خيار انتشار الجيش السوري بالقوة في المنطقة الجنوبية، واختارت أسلوباً في التعامل مع هذا الواقع ينطلق من قاعدة «دفع الضرر الأعلى بالضرر الأدنى». الضرر الأعلى هو انتشار الجيش العربي السوري من دون قتال في المنطقة الجنوبية وتفكيك قاعدة التنف الحيوية بالنسبة للسياسة الأميركية في سورية والعراق، وعلى مستوى المنطقة.
أما الضرر الأدنى فيتمثل بسيطرة الجيش السوري على المنطقة الجنوبية، ولكن مع استمرار احتفاظ الولايات المتحدة بقاعدة التنف. ويبدو أنّ هذه هي الحسابات التي تفسّر عدم تدخل الولايات المتحدة لمصلحة مسلحي الجنوب، وبعث رسالتها الشهيرة التي تطلب منهم عدم توقع الحصول على دعم عسكري مباشر من القوات الأميركية، وحصر معركة الجيش الأميركي بالدفاع عن قاعدة التنف في حال اقتربت منها القوات السورية.