لماذا تتراجع أطراف الحرب على سورية عن خطوط حمر؟: حميدي العبدالله
معروف أنّ الكثيرين، بينهم الدول التي شنّت الحرب الإرهابية على سورية وموّلتها بالمال ودعمتها بالأسلحة، ووفّرت لها التغطية السياسية والإعلامية، وحتى بينهم مناصرون للدولة، صدّقوا أنّ هذه الدول رسمت خطوطاً حمراء لا يمكن للجيش والدولة السورية وحلفائهما تخطي هذه الخطوط الحمراء المرسومة .
عندما كانت أحياء حلب الشرقية تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة جرى ترداد هذه المقولة، ومفادها: يحظر على الجيش السوري تحرير هذه الأحياء. ولكن الجيش السوري لم يكترث لذلك وحرّر هذه الأحياء وانهار خط أحمر كان مرسوماً في مخيّلة الكثيرين.
بعد ذلك انتقل الحديث عن الخطوط الحمراء إلى الحدود العراقية – السورية، وردّد هؤلاء مقولة إنه من غير المسموح للجيش العربي السوري الوصول إلى الحدود العراقية وأنّ هذه مسألة هي خط أحمر للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني وحلفائهما في المنطقة كي لا يكون هناك تواصل بري بين سورية ولبنان من جهة وإيران من جهة أخرى عبر العراق، ولحق هذا الخط الأحمر بالخط الأحمر الذي كان مرسوماً في مخيّلة البعض عن أحياء حلب الشرقية، وتكرّر الأمر في تحرير مدينة دير الزور.
لكن في المنطقة الجنوبية، ومع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية والأميركية، والتصريحات الأميركية التي حذرت سورية من فتح معركة الجنوب اعتقد أصحاب نظرية الخطوط الحمر أنّ الأمور هذه المرة تختلف عما سبقها، وبالتالي فإنّ التمسك الأميركي الإسرائيلي، وحتى الأردني بالخط الأحمر الذي يحظر على الدولة والجيش السوري تحرير هذه المنطقة، سيكون هذه المرة أكثر تصميماً وأشدّ صلابة، ولكن عندما انطلقت العملية تبدّدت التحذيرات الأميركية وتبخّر وهم الخط الأحمر في هذه المنطقة.
واضح أنّ رغبة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وهما محرّكا الحرب على سورية تكمن في فرض هذه الخطوط الحمر، وهما اللذان كانا وراء إطلاق الشائعات حول وجود الخطوط الحمر، ولكن عندما يبدأ الجيش السوري وحلفاؤه المعركة يتراجعون عما أشاعوه وبالتأكيد فإنّ لذلك أسباب، من أهمّها وأكثرها فعالية وتأثيراً هو أنّ إصرار الولايات المتحدة على الخطوط الحمر يتطلب منها خوض مواجهة مع الجيش السوري وحلفائه، ومثل هذه المواجهة لن تظلّ محصورة في سورية، بل ستمتدّ لتشمل الوجود الأميركي في سورية والعراق والكيان الصهيوني، وربما القوات الأميركية في الخليج إذا تعرّضت القوات الإيرانية لضربات مباشرة أميركية، وبكلّ تأكيد حرب بهذا الاتساع ليس من مصلحة أحد الدخول فيها، لأنّ التمسك بالخطوط الحمر يعني حرباً بهذا الاتساع وستكون كلفتها باهظة على الجميع، لذلك لم تصمد الخطوط الحمر.