بقلم غالب قنديل

سورية الجديدة لا مكان فيها للغرب

غالب قنديل

يصر بعض مسطحي العقول على اجترار أفكار قديمة حول مستقبل سورية وينشغلون عند أي حدث بالتنقيب عن ملامح ما يعتبرونه باستعجال وتبسيط صفقة روسية اميركية او تفاهمات روسية إسرائيلية تستهدف حلفاء سورية الأقربين إيران وحزب الله بينما سورية ثابتة لا تتزحزح تعلن تصميمها على ترحيل واقتلاع قوات الاحتلال الأميركية والتركية والإسرائيلية من ترابها الوطني واعتبارها لتواجد الحلفاء إلى جانبها على الأرض السورية حقا سياديا لا شأن به لأي جهة اخرى غير الدولة السورية ولاسيما لدول العدوان بقيادة الولايات المتحدة .

وقد شرعت تنطلق مبادرات شعبية للمقاومة المسلحة ستكون مرشحة للتعاظم في حضن الدولة الوطنية وبرعايتها ودعمها كما سبق ان وعد الرئيس الأسد غير مرة تجسيد الفكرة الاستقلال ولاحترام الإرادة الشعبية والوطنية.

العقول المهزومة تاريخيا وتكوينيا تحول كل تراجع لجبهة الأعداء إلى فعل هجومي متخيل وتماما تكرر ما حصل عند هزيمة الاحتلال الصهيوني وهروبه من لبنان قبل ثمانية عشر عاما حين انطلقت مخيلات ساذجة تابعة ومرتهنة لترسم سيناريوهات لفقها الأميركي عن خطة مدبرة لتغذية فرضية الاقتتال التي تقوم على اعتبار المحتل الغاصب ضامنا لأمن اللبنانيين تحت الاحتلال وتصوير المقاومة كقوة انتقام وتصفيات في حرب اهلية ممتدة وهو المفهوم الذي سعت دول العدوان لترويجه في سورية التي استطاعت قيادتها إسقاط الأقنعة وتمزيقها تباعا ليظهر العدوان الأجنبي الاستعماري الصهيوني على حقيقته بعد تساقط أوراق التوت الخادعة .

تثبت الأحداث خلافا لكل ما يظنه الواهمون ان في سورية دولة وطنية وقيادة وطنية لها الكلمة الفصل وان حلفاءها وشركاءها يراعون أولوياتها وثوابتها المبدئية في مساهماتهم بالحرب على عصابات الإرهاب التي ليست كما بينت الأحداث سوى رأس الحربة الأميركية الغربية السعودية القطرية الإسرائيلية التي طعنت بها الدولة الأهم في الشرق العربي ضمن مشروع للهيمنة الاستعمارية .

سورية هي الأهم بحكم الجغرافية التي تجعلها قلب العالم ومركز الشرق كله وبحكم التاريخ الذي يشهد بأنها قلعة استقلال وتحرر ومقاومة في وجه الغزو الاستعماري على مر العصور وكذلك هي الأهم بفضل دورها المحوري في الصراع العربي الصهيوني خلال الأربعين عاما الأخيرة أي منذ اتفاقية كمب ديفيد.

طيلة عقود سبقت العدوان الاستعماري اختبرت سورية فرص الشراكة والتعاون مع الغرب الأوروبي وسعت إلى علاقات ندية عبر حوض المتوسط مع شركاء غربيين وواجهت دائما نزعة استعمارية للهيمنة وميلا لاستغلال العلاقات الإيجابية في اختبار فرص اختراق النسيج الاجتماعي السوري لتجنيد العملاء واستخدامهم في مؤامرات لم تتوقف على سورية بقيادة الولايات المتحدة ولمصلحة إسرائيل وبمعونة الرجعية العربية ( خصوصا حكومتي الأردن والسعودية ) وهذا ما أعادت تأكيده الأحداث الأخيرة في سورية.

الدولة الوطنية السورية التي تنهض من جديد وهي شرعت تخوض المعارك الأهم والأدق وربما الأصعب لتحرير أرضها واسترجاع سيادتها بطرد القوات الأميركية والتركية والإسرائيلية التي تعتبرها احتلالا مرفوضا لا مساومة معه على السيادة السورية التامة وهي لم تفرط يوما بنظرتها المبدئية تلك والتي تتشاركها مع حلفائها روسيا وإيران وحزب الله.

موقع سورية الشرقي سيتعزز بتوجه استراتيجي جديد له محتواه السياسي والاقتصادي وهو ما يوجزه الرئيس بشار الأسد بمفهوم “التوجه شرقا” الذي يعتبره التجسيد الحي لمكانة سورية ولمصالحها القريبة والبعيدة اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا فالشرق يؤمن بقيم اخلاقية تحكم السياسة وهي قيم مشتركة مع سورية والأمة العربية والشرق يلتزم بمبادئ احترام سيادة الدول وبالعلاقات الندية على أساس المصالح المشتركة وهو لذلك وقف بقوة مع سورية في الدفاع عن استقلالها.

جزم الرئيس الأسد قبل سنوات بأن شركاء البناء السوري بعد الحرب هم شركاء الصمود لا شركاء العدوان وكان بذلك يرفع علامة نفي عريضة وحمراء في وجه سيناريوهات عممتها دوائر ووسائل إعلام غربية خليجية ولبنانية عن مستقبل عملية إعادة إعمار سورية وبكل بلاهة توجه البعض إلى واشنطن للبحث عن حصة في مشاريع البناء السورية المقبلة قبل ان يلتفتوا إلى موسكو وطبعا هم يعادون طهران ودمشق معا.

لا لزوم لشروحات ولا لتأويل بعد الكلام القاطع الذي صدر عن الرئيس بشار الأسد يوم امس تعليقا على تصريحات غربية عن عدم الاستعداد للمساهمة في عملية إعادة إعمار سورية في إشارة إلى شروط سياسية محددة فقد قال القائد الأسد : “بصراحة، هذا أفضل تصريح غربي خلال هذه الحرب، وهو أنهم لن يكونوا جزءاً من إعادة الإعمار في سورية، لأننا ببساطة شديدة لن نسمح لهم أن يكونوا جزءاً منها، سواء أتوا بالمال أم لا، وسواء أتوا بقرض أو بمنحة أو بتبرع أو بأي طريقة كانت، نحن لسنا بحاجة للغرب، الغرب ليس نزيهاً على الإطلاق، هو لا يعطي، بل يأخذ وحسب “.

سورية التي تنهض وتقاتل وتستعد للبناء من جديد زاخرة بطاقات هائلة ولديها شركاء أوفياء قدموا التضحيات دفاعا عنها ولا يبغون الهيمنة بل يحترمون استقلالها ولذلك ستكون عملية البناء بعد الحرب في الوقت عينه صيغة راسخة لشراكة شرقية متكافئة ووطيدة يسهم فيها السوريون بكل إمكاناتهم في تكوين نواة الشرق الجديد من ساحل المتوسط الشرقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى