زيارة ميركل والمثال التركي: ناصر قنديل
– تتقدّم ألمانيا بصفتها الدولة الأوفر موارد على الصعيد الاقتصادي بين زميلاتها الأوروبيات والأكثر تأثراً واهتماماً بملف النازحين السوريين بزيارة خاصة للبلدين العربيين الأشدّ اكتظاظاً بالنازحين في لحظة حرجة يمرّ بها كلّ منهما. ففي الأردن أزمة اقتصادية مالية كادت تشعل انتفاضة وأسقطت حكومة، وفي لبنان اعتراف جامع بأزمة عاصفة لا تلبث أن تهبّ رياحها المالية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية .
– علاقة التأزّم في الأردن ولبنان بما يجري في سورية واضح، فالطريق الدولي الذي تمثله سورية لربط أوروبا وتجارتها عبر لبنان بالخليج وتأمين سوق للبضائع اللبنانية ولموقع الأردن كوسيط بين تجارة الخليج والترانزيت الأوروبي مروراً بلبنان، أو بالطريق التركي السوري، كانت مصدراً للانفراجات الاقتصادية في البلدين وقد طال أمد إقفالها وهو إقفال بات واضحاً أنه ناجم عن تأجيل متعمّد للحلّ السياسي في سورية وربطه بشروط غربية عربية تريد إطالة الحرب الميؤوس من تحقيق أهدافها والمؤكد وقوع المزيد من الأضرار بنتيجتها.
– لبنان والأردن كخاسرين حتميّين من تعطيل الممرّ السوري خاسران حتميان من بقاء النازحين السوريين بمئات الآلاف فوق أراضيهما، وطاقة البلدين وحساسية تكوينهما ومكانتهما في الجغرافيا السياسية وفق خصوصية حرجة لكلّ منهما خلقت مخاوف وهواجس من طول أمد بقاء النازحين وتحمّل الأعباء الناتجة عن ذلك على كلّ صعيد، خصوصاً أنّ سورية باتت بأغلب مناطقها شبه آمنة لضمان عودة سكانها الذين غادروها، بينما تقف المنظمات الأممية والدول الأوروبية لتوظيف اهتمامها بقضية النازحين عبر إدارة شؤون أغلب النازحين السوريين في الأردن ولبنان لمنع عودة هؤلاء النازحين إلى بلدهم تحت شعار انتظار الحلّ السياسي الذي يقوم الغرب والأمم المتحدة بتعطيله بشروط تعجيزية تريد ثمناً من السياسة السورية لتسهيله.
– تتصدّر ألمانيا حلفاءها في الغرب وأوروبا خصوصاً لإدارة ملف علاقة الأردن ولبنان بالحرب في سورية، ولا تستطيع إخفاء هواجس أوروبية عموماً وألمانية خصوصاً، من أن يؤدّي أيّ تأزّم في لبنان والأردن إلى موجات نزوح معاكسة للنازحين السوريين، وربما معهم لبنانيون وأردنيون نحو أوروبا وألمانيا خاصة. فتأتي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتعرض جرعات مالية تحت شعار منع الانفجار اللبناني والأردني، مقابل انخراط البلدين في سياسة تأجيل عودة النازحين السوريين قبل حلّ سياسي يرضي أوروبا ومعها حلفاؤها. والأهمّ ضمان عدم توجّههم إلى أوروبا، وضمناً ألمانيا خصوصاً، والمال المعروض يعادل لكلّ من البلدين ثلاثمئة يورو عن النازح لمدة عام. وهو كلفة شهر واحد لذات العدد من النازحين في ألمانيا.
– في تجربة سابقة كانت تركيا البلد الأشدّ أهمية لأوروبا في قضية النزوح السوري. وقالت تركيا علناً إنه ما لم تحصل على موارد مالية تريدها ومفاوضات سياسية تطلبها حول دخولها إلى الاتحاد الأوروبي، فإنها ستسهّل هجرة النازحين السوريين نحو أوروبا، ولم تتعهّد تركيا بالتزام الشروط الأوروبية للحلّ السياسي في سورية. وهي اليوم شريك ثالث لروسيا وإيران في صيغة أستانة التي لا تؤيدها أوروبا، ولا هي التزمت بمنع عودة النازحين إلا على التوقيت الأوروبي، ورغم ذلك حصلت تركيا من الأوروبيين على المال الذي تريد والمقدّر بثلاثة مليارات يورو سنوياً. والسؤال هو لماذا على لبنان والأردن التزام شروط أوروبا في الشأن السوري وشأن النازحين مقابل مال أقلّ مما حصلت عليه تركيا؟
– قالت تركيا ستدفعون مقابل عدم توجيه موجات النزوح نحو بلادكم فدفعوا. ولا علاقة لكم بالباقي لنسمع إملاءاتكم، وبمستطاع لبنان والأردن قول ذلك، لكن وحدها الإرادة السياسية تقرّر!