استبدال استيراد المازوت الأحمر بالأخضر لمصلحة من؟: محمد وهبة
ابتداءً من نهاية تموز المقبل، سيتوقف لبنان عن استيراد المازوت الأحمر المخصص للاستهلاك الخاص، فينتقل إلى استيراد المازوت الأخضر حصراً. قرار يعيد هيكلة بنية السوق القائمة على احتكار الدولة لاستيراد المازوت الأحمر، وعلى احتكار القطاع الخاص لاستيراد لمازوت الأخضر. مبررات القرار كثيرة، لكن حسابات الربح والخسارة لا تزال ملتبسة
أعلن أمس وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل «الانتقال كلياً من المازوت الأحمر إلى المازوت الأخضر نهاية شهر تموز المقبل»، مشيراً إلى أن «لا كلفة اقتصادية إضافية على المواطن، لأن ظروف السوق أدت إلى تساوي أسعار المازوت الأحمر والأخضر». كذلك قال إن القرار يحمل مفاعيل بيئية إيجابية بسبب الفرق بين نسبة الكبريت المرتفعة في المازوت الأحمر والنسبة المنخفضة في المازوت الأخضر، أي «لن يبقى مازوت ملوث في السوق اللبنانية».
وبحسب أبي خليل، لا يشمل القرار استيراد المازوت الأحمر المخصص لاستهلاك معامل الكهرباء في لبنان، رغم أنه «أعلى من 10 ب.ب.م، وهو فقط لكهرباء لبنان لتشغيل معملي الزهراني ودير عمار، لأنهما يعملان على المازوت»، إلا أنه أوضح أن هناك خطّة تقضي بأن يبدأ تشغيل المعملين بواسطة الغاز قريباً بعد استكمال فضّ عروض «محطات استيراد الغاز الطبيعي».
إعادة هيكلة السوق
لا شكّ في أن قرار أبي خليل يؤدي إلى إعادة هيكلة جذرية في بنية السوق. فهو، من جهة، يلغي استيراد المازوت الأحمر المحتكر من الحكومة اللبنانية عبر منشآت النفط، ويوسّع، من جهة ثانية، استيراد المازوت الأخضر الذي كان محتكراً من القطاع الخاص، أي من تجار المشتقات النفطية. في عام 2017، أي قبل صدور القرار، استورد لبنان نحو 2300 طن مازوت أحمر، منها 870 ألفاً عبر منشآت النفط وبيعت في السوق، فيما الباقي مخصص لاستهلاك معامل الكهرباء ويُستورَد عبر عقود من دولة لدولة يقال إنها تنطوي على فساد واسع ناتج من اتفاقات جانبية بين مستورد محلي والشركات الحكومية في كل من الجزائر (أحد رموز هذه الصفقات، وهو جزائري من أصل فرنسي، مطروح تجنيسه في مرسوم التجنيس الحالي) والكويت.
على أي حال، أثار قرار إلغاء استيراد المازوت الأحمر المخصص للاستهلاك الخاص، التساؤلات عمّن ستؤول إليه حصّة منشآت النفط السوقية. فهل تستأثر الشركات الخاصة باستيراد المازوت الأخضر، أم أن الدولة ستكون شريكاً معها؟ ومن الأسئلة التي طُرحت أيضاً في السوق، ما إذا كانت الشركات الخاصة مستفيدة من هذا القرار بسبب المضاربة التي تتعرض لها من تهريب المازوت الأحمر من سوريا إلى لبنان، وهل تبرّر الكلفة البيئية هذا القرار، رغم أن الفقراء في المناطق هم الأكثر استهلاكاً للمازوت الأحمر المستعمل للتدفئة في المناطق الجبلية وفي المصانع؟
مبرّرات بيئية وتجارية
بحسب المعلومات المستقاة من مسؤولين رسميين ومن تجمع مستوردي النفط وتجار محروقات غير منضوين في التجمّع، فإن القرار له مبرّراته التجارية أيضاً ويثير بعض الشكوك أيضاً. فقد صار صعباً استيراد المازوت الأحمر من أوروبا حيث أوقف استعماله، ولم يعد متوافراً إلا في مناطق محدّدة في العالم مثل روسيا (مناطق البحر الأسود) والولايات المتحدة الأميركية. وتضيف المعلومات أنه يرتقب أن توقف روسيا إنتاج المازوت الأحمر وتصديره ابتداءً من عام 2022، ما يعني أن استيراده من أي مكان آخر سيكون مكلفاً جداً، فضلاً عن ضرره البيئي. ويشير المدافعون عن القرار إلى أن توحيد النوعية في السوق سيخفف من الفاتورة الصحية التي ندفعها بسبب تساقط الكبريت الناتج من استهلاك المازوت الأحمر واشتعاله في الأجواء اللبنانية.
فُرض على الشركات أن تشتري من منشآت النفط 400 ألف طن من المازوت الأخضر
ومن المبررات أيضاً، أن هناك اتفاقاً مع مستوردي المشتقات النفطية على أن لا يحصر استيراد المازوت الأخضر بيد جهة معيّنة، بل أن يجري تقاسم الحصص في السوق عبر إجبار الشركات المستوردة على شراء كمية من المازوت الأخضر من منشآت النفط مساوية لكميات المازوت الأحمر التي كانت تشتريها من المنشآت سابقاً، أي ما يوازي 400 ألف طن. في البداية، كان تجمّع مستوردي المشتقات النفطية يرفض هذا الأمر وأبلغ وزارة الطاقة رفضه أن تفرض عليه شراء حصّة من منشآت النفط، لكنه رضخ بعدما استصدرت منشآت النفط قراراً من مجلس شورى الدولة يتيح لوزير الطاقة إعادة العمل بإجازات الاستيراد وقت اللزوم. الشركات كانت تريد استمرار احتكارها للمازوت الأخضر ولا تريد أي منافسة من الدولة.
استنسابية القرار وتوابعه
في المقابل، وجّهت انتقادات إلى القرار، مفادها أنه يمنح وزير الطاقة سلطة استنسابية قد تستعمل بنحو فاسد. وجود إجازات الاستيراد كأداة قمعية يرتّب نتائج عكسية على الهدف من القرار، إذ قد يلجأ أي وزير للطاقة إلى اتفاقات جانبية مع مستورد معيّن من أجل منحه إجازة استيراد على حساب آخرين، ويمكنه أيضاً أن يزيد حصّة هذا المستورد ويقلص حصص آخرين. بمعنى آخر، إن إجازة الاستيراد الصادرة عن وزير الطاقة لا تخضع لأي شكل من الضوابط والأصول، بل هي أداة استنسابية وفق أهواء الوزراء بصرف النظر عن هويتهم.
كذلك يرى تجار النفط أن الأهداف البيئية لا تتحقق إلا إذا اتخذ الوزير قراراً بمنع استعمال المازوت الأحمر المخصص لمعامل كهرباء وبمنع مواد نفطية مشابهة فيها نسبة مرتفعة جداً من الكبريت تستعمل في معامل الإسمنت. ويضاف إلى عناصر التلوّث هذه أن هناك كمية كبيرة من الزيوت المحروقة التي تستعمل بطريقة عشوائية في المصانع والمخابز والأفران… وباستثناء الكميات التي أوقف استيرادها، فإن الكميات المستعملة من المازوت الأحمر والمواد المشابهة التي تحوي نسبة عالية من الكبريت والتي توافق وزارة الطاقة على استيرادها لا تزال نسبة التلوّث فيها أعلى بنحو مرتين ونصف من الخفض المحقق بنتيجة وقف استيراد المازوت الأحمر المخصص للاستهلاك الخاص.
أما بالنسبة إلى التهريب الذي يستفيد منه الفقراء من سكان المناطق الجبلية، فإنه من أبرز عناصر المنافسة التي كان يتعرض لها مستوردو النفط في لبنان. الكميات المهرّبة قد لا تكون متوافرة دائماً في السوق، لكنها أقل كلفة على المستهلكين.
القرار لن يغيّر على المستهلك إلا في أمر واحد: نسبة الحرق في المازوت الأحمر أقل منها في المازوت الأخضر، ما يعني أن الكميات المستهلكة في لبنان من المازوت الأخضر قد تزيد بسبب وقف استيراد المازوت الأحمر، ولا سيما لدى مصادر الاستهلاك المتصلة بالتدفئة المنزلية في المناطق الجبلية، وفي المصانع التي كانت تعتمد على المازوت الأحمر للحصول على طاقة رخيصة لتشغيل خطوط إنتاجها.
(الاخبار)