أوجاع بعلبك الهرمل
غالب قنديل
منذ عشرات السنين تضج منطقة بعلبك الهرمل بالشكوى من الحرمان والإهمال ومن تعميم صورة نمطية عن منطقة كريمة عزيزة بأهلها بينما تلك الصورة تركز اختزاليا على زراعة المخدرات وتجارتها وشيوع الثأر وجرائمه بينما يردد السياسيون السؤال عن غياب الدولة ومؤسساتها الأمنية والإدارية وهذا المناخ السائد بقوة هذه الأيام كان هوهو قبل اكثر من خمسين عاما مما يبرهن على عدم اتخاذ خطوات جدية وعميقة لتحديث البنية الاقتصادية الاجتماعية في هذه المنطقة اللبنانية الهامة ورغم كونها مقلعا ضخما للطاقة الإنسانية الحيوية في الإنتاج والمقاومة على حد سواء كما برهنت التجارب.
أولا في المعالجة الأمنية ضرورة لا غنى عنها لكن ينبغي السؤال عن الجهات التي تحرك الظواهر المخلة بالأمن وتشجعها لتفاقم استنزاف بيئة شعبية حاضنة للمقاومة وهذا امر ليس خافيا على منتبه وقد كشفت الانتخابات النيابية كثيرا من الخيوط المتشابكة في هدف واحد ومشترك هو تعفين تلك البيئة وإلقاء اللوم على المقاومة والفريق الوطني برمته وإلصاق المسؤولية على كاهله ضمن مضبطة سياسية شاملة لاستهدافه. يجب ان يتذكر العارفون مراحل سابقة في ما كان يسمى بالمناطق الوطنية خلال السبعينيات شكلت فيها الاستخبارات الأميركية والموساد وبعض الأجهزة الخليجية والميلشيات اللبنانية العميلة خلايا للتخريب وللجريمة المنظمة كانت هي قوة التمهيد الفعلي للاجتياح الصهيوني عام 1982.
الغاية اليوم هي استنزاف حزب الله وحركة امل وحلفاء خيارالمقاومة لتفريغ انتصارهم الانتخابي من محتواه وأخرق من يظن ان الولايات المتحدة والحلف الصهيوني السعودي وعملاءه في لبنان سيلتزمون قواعد المنافسة الديمقراطية النظيفة وينتظرون الانتخابات المقبلة لمباراة حول البرامج في هذه المنطقة او سواها فذلك تفكير أقل ما يوصف بأنه ساذج وأخرق ومنفصل عن الواقع.
ثانيا عندما فرض الراحل رفيق الحريري منع زراعة الحشيش والأفيون في مطلع التسعينيات تحت شعار الالتزامات الدولية كانت حكومتا المغرب وتركيا تبرمان اتفاقات مع حكومة الولايات المتحدة لشراء محاصيلهما من الخشخاش والأفيون وقد قبضتا منذ ذلك الحين حتى اليوم مليارات الدولارات عن كل سنة ( أربعة سنويا لتركيا وثلاثة للمغرب ) دون ان يجني لبنان والبقاع الشمالي تحديدا أي سنت سوى الاختراق الاجتماعي لجمهور المقاومة عبر الوكالة الأميركية للتنمية ومنظمات الإنجيؤوز المتناسلة والبرنامج الكسيح التافه المسمى زراعات بديلة وفضيحة البقر الشهيرة.
التنمية في بعلبك الهرمل تعني تطوير الإنتاج وبنية تحتية قوامها السدود والكهرباء وشبكات الري والكليات الزراعية والصناعية المتخصصة ومراكز الأبحاث الزراعية والتصنيع الزراعي والسياحي أي إنها تعني ثورة خضراء شاملة تحول هذه المنطقة إلى ورشة شاملة لتجعل منها منطقة نموذجية منتجة وماذا يمنع سن إعفاءات ضريبية شاملة لأجل زمني لا يقل عن عشر سنوات بحيث تجذب خلالها رساميل محلية ضخمة للاستثمار وما هو المانع من تصنيع الخشخاش والأفيون لأغراض طبية بإشراف الدولة؟ ومن خلال مؤسسة موازية لمؤسسة حصر التبغ والتنباك فتضبط جمع المحاصيل واستثمارها وتمنع تسربها نحو الداخل او الخارج ولم لا يكون رأسمال هذه العملية من احتياطيات مصرف لبنان كما فعل في سبيل إنقاذ شركة طيران الشرق الأوسط؟!
ثالثا ما هي حصة شباب بعلبك الهرمل من دورات التنسيب والتطويع إلى مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية ؟ ولم لا ترفع هذه النسبة وبتعويض قياسي عن الإهمال السابق فتعطى المنطقة الأفضلية على مدى دورات السنوات الخمس القادمة لتطويع آلاف الشباب الجامعيين وللحد من حالة البطالة والتهميش التي تدفع الشباب الأقل تعليما إلى متاهات الفلتان وتلقيهم في شباك مروجي المخدرات والمرابين وغيرها من أفخاخ الشبكات الخارجية الكبرى الساعية لتدمير المجتمع اللبناني والنيل من مناعته ؟.
المشكلة غير عادية وأهداف مستثمريها كذلك ولذا لا يمكن التعامل معها بالروتين السخيف وبالعقلية الرتيبة والتقليدية المسطحة والبلهاء فالمطلوب هو الابتكار مثل البحث عن زراعات وصناعات جديدة وغير مألوفة كالورود وصناعات كالعطور وغير ذلك الكثير الكثير لكن تنظيم النقاش بروح إبداعية بين خبراء ومهندسين من أبناء بعلبك الهرمل سيولد مجلدات من المقترحات الممكنة والمجدية ولن يحل الأمر في دواوين البيروقراطية المتعفنة.
في بعلبك الهرمل طاقات فتية واعدة وثروة مائية وزراعية كامنة وفرص سياحية هائلة لم تجد من يعمل على استثمارها بصورة صحيحة وعلمية وليست العلة في الناس ولا في الطبيعة بل في النظام المتخلف وطرقه العقيمة المبنية على تأبيد التخلف والتهميش واستخدام الضحايا في جيوش التخريب المنظم.