قمة ترامب كيم: ناصر قنديل
– تشكّل القمة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون حدثاً دولياً تاريخياً، يكاد يشبه تطبيع العلاقات الأميركية الصينية، قبل أربعة عقود، مع زيارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون لبكين، ومثلما تمنح الوثيقة التي وقعها الرئيسان قيمة خاصة، تمنحها التعرّجات التي شهدتها والسياقات التي ولدت فيها تفسيرات ومعانيَ، فالعنوان الذي حملته الوثيقة المشتركة يشبه اتفاق الإطار الذي ولد حول التفاهم النووي الإيراني ومهّد لودلاته الناجزة بعد شهور، لجهة التزام إيران بعدم السعي لامتلاك سلاح نووي والالتزام الأميركي بفك العقوبات عنها. وفي كوريا ضمانات أميركية أمنية واقتصادية مقابل شبه جزيرة كورية خالية من السلاح النووي .
– العنوان الأول الذي يطرحه اللقاء وما نتج عنه هو أنّه بقدر ما يمثل تأكيداً للرغبة المتبادلة بالوصول لحل سلمي للأزمة، فهو يؤكد أنه لو لم تكن لدى كوريا ترسانة نووية تهدّد أميركا لما استحقت من الرئيس الأميركي، الذي يستخفّ بحلفائه ويعاملهم بغطرسة وعنجهية، وأغلبهم من الدول العظمى، كفرنسا وبريطانيا، هذا الاهتمام وهذه اللغة الناعمة والودودة، وهذه الرسالة ربما تكون موضع قراءة في إيران التي التزمت بعدم امتلاك سلاح نووي وطبّقت التزامها بشهادة وكالة الطاقة الذرية الدولية ولم تلقَ إلا التنكّر للالتزامات، وبالمثل ستكون المعاملة الأميركية لإيران موضع عناية كورية لجهة مصير التعهّدات عندما يزول تهديد السلاح النووي الكوري لأميركا.
– العنوان الثاني الذي سيتحوّل سؤالاً عملياً، هل ستزيل واشنطن ضمن مفهوم نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية ترسانتها منها، وضمناً صواريخ الثاد الاستراتيجية التي تقلق الصين. وبالمقابل هل ستسلك كوريا طريق تفكيك سلاحها وتدميره أم طريق إيداعه خارج كوريا، وبالتالي لدى الصين وروسيا؟ وبالتتابع هل سيكون من ضمن الضمانات التي تطلبها كوريا ضمان روسي صيني لحمايتها من أي عدوان، مقابل إيداع السلاح النووي لديهما، أم ستقبل المخاطرة بالاكتفاء بضمانات أميركية تدرك سلفاً أنها قابلة للتحوّل مجرد كلمات يمكن التنكّر لها عند أول منعطف؟ وكيف سيكون للصين وروسيا شراكة في الضمانات بدون شراكة في الشعور بالأمن بالتزام أميركي بنزع الصواريخ المقلقة من كوريا الجنوبية؟
– العنوان الثالث في الاقتصاد، فكوريا ليست إيران البلد النفطي والصناعي والزراعي الذي لا يحتاج إلا فك العقوبات كي ينطلق اقتصادياً، فما تحتاجه لتنمية اقتصادها أكبر من مجرد فتح الأسواق وإلغاء العقوبات. وهي بلد يحتاج لمئة مليار دولار على الأقل لإطلاق مشروع تنمية شاملة بعد سنوات من المعاناة والتقشف وصولاً حدّ المجاعة. وقد أنفقت كل ما بين يديها على مشروعها النووي لتقايضه يوماً ما بهذه المليارات، وكيف يمكن الحصول عليها من دون كوريا الجنوبية واليابان والصين، وربما أوروبا أيضاً، وهل يمكن أن يتحقق ذلك بدون شراكة كل هؤلاء في صناعة الحل المتكامل، فيما الرئيس الأميركي يعامل الجميع بمن فيهم شركاؤه اليابانيون والكوريون بلغة لا تشعرهم بأنهم شركاء؟
– قد يسهل على الرئيس الأميركي تمييز الحالة الكورية عن الحالة الإيرانية، لجهة عدم التداخل بينها وبين الملفات الشائكة التي تهم أميركا كأمن «إسرائيل»، والهيمنة على أسواق النفط والغاز، وحروب سورية واليمن، ومستقبل العراق، لكن في نهاية المطاف يعرف الكوريون والأميركيون أن تدويل المفاوضات والتفاهمات حاجة متبادلة لا يمكن تفاديها، والتدويل طريق للربط بالملفات الدولية الأخرى لا للانفكاك عنها.