بقلم غالب قنديل

من انتصر ومن خضع في سنغافورة ؟

غالب قنديل

في ظاهر الأمور يحق للرئيس الأميركي المفاخرة بانجاز سياسي ودبلوماسي يضعه عمليا بموازاة ريتشارد نيكسون الرئيس الاميركي الذي دشن الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية بزيارته الى بكين التي حضرها ومهد لها وزير الخارجية الاشهر هنري كيسنجر.

بالقدر ذاته يحق للزعيم الكوري كيم جونغ أون ان يزف لشعبه انتصارا سياسيا باهرا انتزع فيه اعترافا بندية كوريا اتجاه الوﻻيات المتحدة التي تعهدت بخطوات لتفكيك معالم تهديدها العسكري للبلاد منذ ما عرف بالحرب الكورية التي شطر فيها الغرب شبه الجزيرة الى دولتين وبات من يومها شعار اعادة توحيد الوطن امنية شعبية رفعها الزعيم الكوري الفذ كيم ايل سونغ.

القوة الكورية وحلفها مع الصين وروسيا مهدت للخضوع الاميركي لكن وبالذات كان خطر الاشتباك النووي والقدرات الدفاعية الكورية المتقدمة هي التي حفزت واشنطن على التراجع امام جمهورية كوريا الديمقراطية وفرضت عليها الخصوع لشروط بيونغ يانغ بكل وضوح.

ما زال مبكرا الاستنتاج حول مصير التفاهم الذي تم توقيعه أمس خصوصا مع ادارة قلقة ومضطربة تقود الولايات المتحدة بوزنها الامبرطوري في مغامرات متلاحقة ولم تحترم توقيعها على الاتفاق النووي الإيراني وهي فاقدة للمصداقية اتجاه تعهداتها واتفاقاتها.

ان المؤسسة الحاكمة الأميركية هي التي تنتج مثل هذه الخيارات ومهما تباهى ترامب بتمرده عليها لكنها كانت وستبقى الآمر الناهي في العناوين العريضة لسياسة الامبراطورية في حروبها ومفاوضاتها واتفاقاتها عبر العالم وسيكون مصير السياسة الأميركية في كل مكان هو الإذعان للأمر الواقع ومعادلاته القاهرة مهما طال امد الإنكار والمكابرة المتغطرسة.

العائد الشخصي لترامب يرمم صورته الرئاسية التي غلبت عليها ملامح الهوج والرعونة والتحدي والدوس على أقدام الحلفاء والشركاء التقليديين كما شهدنا في قمة السبع وازمة البيان الختامي وهجمة ترامب على حليفه الكندي ترودو.

انتصر كيم ايل سونغ جد الزعيم الكوري وانتصرت نظريته الفذة عن امتلاك القوة الرادعة وبناء القدرات الذاتية لبلاده والتمسك بهدف اعادة توحيد الوطن الكوري واجبار الامبريالية الأميركية على وقف تدخلاتها العدوانية.

قبل ان تظهر اي نتائج عملية سواء أوفت الولايات المتحدة بتعهداتها واوقفت استفزازها الذي اعترف به ترامب ام لا فقد تحقق انتصار معنوي كبير لشعب كوريا في الشطرين ولقيادته ودولته الوطنية في الشمال من خلال قمة الاعتراف الاميركي وما يستتبعها عالميا وهنا فعلا تفرض المقارنة بالمثال الصيني نفسها.

يقتضي اختبار الجدية في التطبيق زمنا غير قليل وخطا متعرجا من جولات التفاوض بين الجانبين وكل نجاح جديد سيقدم مزيدا من الانجازات والفرص لكوريا الديمقراطية ولحلم الوحدة الكورية الذي يراود القادة والمواطنين في الشطرين منذ التقسيم الاستعماري لهذه المنطقة من العالم .

الى جانب كوريا الديمقراطية تحقق انجاز جديد لشركائها وحلفائها وخصوصا روسيا والصين وايران فالمشهد الكوني شرع بالتغير كحصيلة لاختبارات قوة تراكمية وصعبة جرت في جميع المناطق الملتهبة على سطح الكرة الأرضية وقدمت كوريا الديمقراطية مثالا يحتذى في اختبار صراع الارادات وفي اعتمادها للسبل اﻷجدى في لي ذراع الاستعمار الغربي وصد الغطرسة الاميركية.

الولايات المتحدة لاتفهم غير لغة القوة هي امثولة القائد كيم التي افصح عنها سابقا بعد احتلال ليبيا وتهديد سورية وايران وقد برهن على صحة ذلك عمليا فلولا مواصلة تجاربه النووية وتصميمه على تقديم البراهين عن قوة بلاده العسكرية لما خضع الأميركي البشع وانتقل إلى المداهنة والنفاق السياسي بشكل مفضوح .

من المفارقات ان يدعو الصهاينة ايران الى اتباع الطريق الكوري وهم يتناسون ان ايران طرحت منذ فترة بعيدة فكرة اخلاء المنطقة من السلاح النووي واسلحة الدمار الشامل وهو أمربادر اليه القائد حافظ الأسد في مستهل ثمانينات القرن العشرين في اقتراح رسمي متكامل عرض في الأمم المتحدة لكن رفضته الولايات المتحدة بالذات .

ان كان من عبرة لايران وسورية من قمة سنغافورة فهي بالتحديد ان امتلاك القوة الرادعة سيرغم القوى الاستعمارية على الخضوع عاجلا أم آجلا .

قدمت كوريا مثالا في الصمود بشجاعة وفي البناء الذاتي اقتصاديا وعسكريا وفي امتلاك التكنولوجيا المتقدمة وتوطينها وهي تقدم مثالا جديدا في حصادها السياسي ومهما حاول القادة الأميركيون تغطية خيبتهم بالكلمات الرنانة فالحقيقة بادية من ثنايا تفاصيل المشهد يوم امس وبدون شك ان روح كيم ايل سونغ تبتسم وتصفق لما فعله حفيد قائد الثورة الكورية ومؤسس جمهورية كوريا الديمقراطية وصاحب نظرية زوتشة للاعتماد على النفس في النضال من أجل التحرر والاستقلال … بالأمس كوبا واليوم كوريا ويوما ما ستكون ايران وسورية في اعترافات أميركية متدحرجة بهزيمة نهج الهيمنة والعدوان امام عزيمة الشعوب والقادة الاحرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى