بقلم ناصر قنديل

زمن الكبار: حافظ الأسد: ناصر قنديل

يتزامن إحياء رحيل الرئيس حافظ الأسد ورحيل الإمام الخميني خلال هذا الشهر، وقد قادا حقبة ممتدّة في ثمانينيات القرن الماضي، وسمت هذا الشرق ببصماتها، وامتدّت مع الرئيس حافظ الأسد والإمام الخامنئي كخليفة للإمام الخميني في التسعينيات، لتمتدّ منذ مطلع القرن الحالي بشراكة الرئيس بشار الأسد والإمام الخامنئي، حتى أيامنا هذه. وقد ولدت في كنف هذه العلاقة المقاومة في لبنان، وصارت رمزية ومكانة قائدها السيد حسن نصرالله تشارك الدور وصناعة المشهد الاستراتيجي للرئيس بشار الأسد والإمام الخامنئي، كما صارت روسيا الجديدة بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين العائدة لمكانتها التاريخية بقوة، علامة من علامات المسرح الدولي الجديد لا يمكن رسم معادلاته بدونها، ومعها الصين الصاعدة كقوة اقتصادية أولى في العالم لا تنازعه عليها أميركا، رغم إمساكها بمفاصل النظام المالي العالمي .

الأسبق في القراءة وصناعة السياسة ورسم الاستراتيجيات بين هذه الرموز، والذي مهّد الطريق لنهضتها ووثق بقدرتها، واستثمر على قوّتها، هو الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي قرأ بصورة عبقرية أربع معادلات تحكم المنطقة والعالم اليوم: أوّلها مكانة سورية واستحالة إسقاطها أو تفكيكها، وقدرتها على تغيير المعادلات الدولية والإقليمية، رغم تواضع إمكاناتها التقليدية قياساً بالدول الكبرى ما قد يغري البعض بالمغامرة، لكنه سرعان ما يكتشف تحطّم مغامراته على جدران التاريخ والجغرافيا التي تحميها. والمعادلة الثانية هي قانون الصراع مع كيان الاحتلال ومكانة المقاومة فيه كعامل صناعة لتوازن استراتيجي سعى إليه واستثمر عليه. والمعادلة الثالثة هي مكانة ودور إيران، وقد وقف مع ثورتها الفتية في أيامها الصعبة ووقف بقوّة ضدّ الحرب الظالمة التي فُرضت عليها تحت عنوان عروبة مزيّفة، واثقاً من كونها السند والعمق لكلّ حركة مقاومة ومواجهة صادقة مع الاحتلال وكيانه الغاصب، ومن أنّها شريك تاريخي واستراتيجي لسورية في مواجهة الصعاب والمحن المقبلة، والمعادلة الرابعة هي نظرته لروسيا التي نجح مبكراً في قراءتها بعيداً عن عقد الأيديولوجيا، وتعقيداتها، فروسيا دولة عظمى وشريك في أمن هذا الإقليم ومستقبله، كما يقول تاريخها أيام القيصرية، وسيقول مستقبلها.

جاءت الحروب التي شهدتها المنطقة بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد، لتؤكد صوابية النهج والتوقعات والقراءة والمعادلات، فها هي سورية برئيسها وجيشها تثبت أنها عاتية على العاتي، وأنّها أقوى من الأقوياء، وأنها الأثبت في معادلات يرسمها زائلون. وها هو الجيش السوري والرئيس بشار الأسد يدخلان التاريخ تحت عنوان، أقوى الجيوش وأقوى الرؤساء، ويتعلّم الذين توقعوا الوقيعة بسورية بعد رحيل حافظ الأسد أنهم سيلاقون ما يفوق توقعاتهم حتى الندم. وها هي المقاومة وقد اشتدّ عودها وصارت قوّة ضاربة، وفية لمن وقف معها ورعاها، تنتصر لسورية ولنفسها في الحرب التي شنّها أكثر من نصف العالم لإسقاط سورية وإطفاء جذوة المقاومة فيها. وها هي إيران كما قرأها الرئيس حافظ الأسد قوّة دولية وإقليمية صاعدة ومُهابة، صديقة وفية لسورية ولفلسطين، صادقة العهود والوعود. وها هي روسيا تستردّ عافيتها ومكانتها، وكما توقعها، ها هي قوية جبارة وواثقة بقوّتها وإمكاناتها، تعود.

في لبنان مَن قرأوا في كتاب العروبة للرئيس الراحل حافظ الأسد، وما هزّتهم الرياح، وبقوا على الثبات في الموقع والموقف رغم المخاطر، والإرهاب والتخوين والتخويف، وهم اليوم مع الرئيس بشار الأسد، ويرون في المعادلات الجديدة لدور روسيا وإيران ومحور المقاومة بشائر خير مقبلة على المنطقة والعالم، وفي الطليعة لفلسطين البوصلة. وهم على ثقة بأنّهم الأشدّ تمسكاً بلبنانية وطنية صافية، تعرف مصلحة لبنان ولا تساوم عليها، ولا تبيع ولا تشتري، مهما كرهَ الكارهونَ ومهما قال المقاولون. وفي المقابل في لبنان مَن تاجر بالعلاقة مع سورية صداقة وعداوة، فباع الصداقة واشترى بالعداوة صداقة أعدائها، أو نظر للصداقة كتجارة رابحة لنيل المكاسب والمناصب على ظهر العلاقة بسورية. وهؤلاء يتشدّقون بلبنانيتهم، وهي عندهم مجرد عنوان لبضاعة معروضة للبيع أو للإيجار في سوق السياسات الدولية والإقليمية، ومن موقع لبنانية وطنية صافية، تعرف حجم تضحيات سورية وصدق الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس بشار الأسد مع لبنان قويّ ومقاوم، نقول خسر لبنان برحيل الرئيس حافظ الأسد أخاً كبيراً صادقاً، ونقول لا يستوي الجمع في العلاقة بين لبنان وسورية، بين أهل تلازم المسارَيْن وأهل تلازم الفسادَيْن، فكلاها يؤمن بالتلازم، لكن لكم تلازمُكم ولنا تلازمُنا.

– نستعيد للرئيس حافظ الأسد كلمتين، ما بين لبنان وسورية صنعه الله، وما صنعه الله لا يفرّقه بنو البشر، ولبنان وسورية شعب واحد في دولتين، وستثبت الأيام صحة القول، مهما كثر المنافقون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى