قضية فلسطين تنهض من جديد
غالب قنديل
نشير بداية إلى ضرورة إسقاط التعبير الدراج عربيا على الصعيد الإعلامي والسياسي أي “القضية الفلسطينية” فذاك منتج دعائي عممته منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة ما بعد هزيمة حزيران 1967 وتبنته للأسف القيادات الفلسطينية التي وقعت في أسر التسويات الافتراضية مع الكيان الصهيوني.
القيادات التي نزعت الطابع القومي عن قضية فلسطين بالتشديد على فلسطينيتها تساوقت مع الأنظمة العربية التي دفعت إلى فك ارتباط الجماهير والجيوش بفلسطين وبفكرة الطابع القومي للصراع العربي الصهيوني وقد سخرت آلة ضخمة سياسية وثقافية ودعائية لقيادة حملات التضليل التي تمحورت على تعميم هذه الفكرة وتدمير ركائز الوعي القومي في جميع البلدان العربية لصالح العصبوية القطرية التي تحمل تبني القضية التحررية وعنوان فلسطين في نهج الأنظمة الوطنية مسؤولية العواقب التي فرضها الحصار والتنكيل الاستعماري والتآمر الرجعي على معاقل التحرر القومي العربي.
رغم ذلك واظبت اطراف محور المقاومة منذ حوالي أربعين عاما على نهج تحرري بني على تأكيد العلاقة العضوية بين قضية فلسطين وفكرة تحرر الشرق العربي والإسلامي وهكذا نهض محور المقاومة بخيار مركزية القضية الذي دافعت عنه سورية في أحلك الظروف وما تزال رغم الطعنات الغادرة.
شددت إيران الثورة على طابع القضية الإسلامي والأممي الشامل وارتباطها بمنع الهيمنة الاستعمارية على الشرق الكبير وقد تكامل المفهوم العروبي والتوجه الإسلامي الأممي واقعيا فجسدتهما رؤية حزب الله ودوره النضالي والتنويري في خدمة قضية قومية اممية مركزية تنعقد عندها معركة التحرر الإنساني في العالم كله من الهيمنة الاستعمارية بإسقاط آخر كيان احتلال استيطاني عنصري على وجه الكرة الأرضية يجمع مجرمي الحرب من كل الأصقاع والبلدان وتأتلف في دعمه سائر القوى الاستعمارية الدولية.
تسلحت قوى الردة والاستسلام بانغلاقها في علبة العصبية الفلسطينية منذ طلاقها مع مصر الناصرية وتحصنت بانعزالها عن سورية الأسد ومضت في تلاعبها الانتهازي بالعلاقة مع إيران الخميني فاستغرقت القيادات الفلسطينية المساومة في مسارات التفاوض السقيم الذي قادته الولايات المتحددة وفككت عبره ثوابت ومباديء كثيرة عربية وفلسطينية وصولا إلى اتفاقات الاستسلام في معاهدات كمب ديفيد ووادي عربة واوسلو التي رعت تغول الاحتلال الصهيوني ودشنت تحت الرعاية الأميركية المباشرة شراكات صهيونية امنية وسياسية واقتصادية مع الأنظمة العربية العميلة في تدبير حروب وغزوات صهيونية مباشرة او بالوكالة وأحيانا بالجمع بين الطريقين كما حدث في سورية خلال السنوات الثماني الماضية.
ظهرت طلائع التكفيريين من القاعدة وداعش في العراق المحتل ومن ثم انطلق العدوان على سورية المقاومة بعد فشل حرب تموز بانتصار المقاومة ومحورها وكان المخطط الدموي يهدف إلى تدمير المنطقة وإغراقها بطواحين الدم لثلاثين عاما أميركيا والجوهري وأبرزما تبدى في سياق ذلك العدوان كان تدمير قضية فلسطين في الوعي الشعبي وبالذات في لبنان وسورية والعراق أي في الشرق العربي.
جرى العمل على ذلك الهدف عبر موجات قتل وتهديد جماعي فرضت على الناس اولويات وجودية وباستخدام متقن للجهات الفلسطينية التي تورطت بتنفيذ الخطة الاستعمارية وفصولها المتلاحقة ومن خلال استغلال محكم لأوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان بالذات فبات ظهور فلسطينيين في صفوف التكفيريين في سورية ولبنان سبيلا لتعبئة عدائية عنصرية متجددة ضد فلسطين وشعبها وقضيتها كقضية قومية وما يزال الأمر يقتضي جهدا كبيرا سياسيا وإعلاميا لإنجاز التفكيك المنهجي المنشود لذلك الشحن والتضليل المقصود.
مسيرات يوم القدس العالمي الضخمة في إيران والحية في بعض البلاد العربية شكلت بداية جدية لعودة الوعي بينما يمثل نهوض الشعب العربي الفلسطيني وتضحياته المتواصلة في مسيرات العودة رسالة قوية لجميع الأشقاء والمتضامنين مع قضية فلسطين التي تستعيد مكانتها المركزية في بلدان عديدة.
ينبغي الاعتراف لحزب الله وللسيد حسن نصرالله بدور حاسم في معركة الوعي خلال هذه السنوات الصعبة عبر التصميم على تنمية وتطوير فهم قومي وإسلامي وأممي شامل حول قضية فلسطين واعتبارها هوية كفاحية لجميع دعاة التحرر في العالم وليس في البلاد العربية او الإسلامية فحسب ونتذكر جيدا ما قام به قائد المقاومة من جهد شخصي وسياسي للم الشمل الفلسطيني حول اجندة نضالية موحدة منذ قرار ترامب حول القدس المحتلة وهو جهد تكامل مع الموقف الإيراني الصلب والمبادر ومع موقف سورية الذي لم يتزحزح ومع مواقف مشرفة تبلورت في اليمن والعراق والبحرين وهي تستحق جميعا كل التحية والاحترام.
أخيرا ستنتصر قضية فلسطين عندما تصبح بالفعل قضية جميع الأحرار في الوطن العربي والعالم الإسلامي وفي العالم بأسره واكبر وأعظم من ان تكون مجرد قضية فلسطينية وحسب.