لماذا كانت العقوبات الاقتصادية مؤثرة على إيران أكثر من دول أخرى اُستهدفت بالعقوبات؟
حميدي العبدالله
أدّى رفع العقوبات الاقتصادية على إيران في السنة الأولى على رفعها وقبل انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة إلى استعادة إيران (100) مليار دولار المجمّدة بالخارج، سواءً تلك المجمّدة بقرارات من دول غربية، أو التي أدت قرارات مجلس الأمن إلى تجميدها، وكانت غالبية دول العالم ملتزمةً بهذه القرارات، بما في ذلك دول مثل روسيا والصين. كما أدى رفع العقوبات، بناءً على الاتفاق النووي، إلى ارتفاع عائدات إيران من النفط بنسبة تصل إلى 60%، وقد انعكس ذلك تحسناً ملحوظاً في أداء الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي قاد إلى ارتفاع الدخل القومي في هذه المدة القصيرة بنسبة 12%. ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض وإعلانه أنه سوف ينسحب من الاتفاق النووي، خسر الريال الإيراني 25% من قيمته إزاء الدولار، وغادر إيران حوالي (30) مليار دولار، وارتفع معدل التضخم ليصل إلى 8%، وارتفعت البطالة لتصل إلى نسبة 11%. هذه المعطيات والأرقام تؤكد أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاءها على إيران على خلفية ملفها النووي كان لها تأثير كبير وحاد على الاقتصاد، وفعلاً كان هذا التأثير وراء ظاهرتين سياسيتين ملحوظتين بقوة في الحسابات السياسية، الظاهرة الأولى، تتمثل في أن إيران كانت حريصة على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة والحكومات الغربية حول ملفها النووي عبر تقديم تنازلات حقيقية للوصول إلى معادلة رابح – رابح التي تحدّث عنها وزير الخارجية الإيرانية عند التوقيع على الاتفاق بين إيران وخمسة زائد واحد. الظاهرة الثانية، نجاح وفعالية التحريض الغربي لقطاعات اجتماعية في إيران ضد النظام الحالي، بذريعة أن سياسات ونهج هذا النظام هي التي استدعت فرض العقوبات، ولاسيما تبذيره الأموال لفرض نفوذه في المنطقة عبر دعم حركات المقاومة وسورية، في حين كان ينبغي عليه صرف هذه الأموال على التنمية لتحسين مستوى معيشة الإيرانيين، وبالتالي فإن هذا الواقع الاقتصادي الصعب الناجم عن العقوبات هو الذي يفسر أن أبسط احتجاج على مظالم من مثل إفلاس شركة لتوظيف الأموال يتحول إلى احتجاجات واسعة وتلاقي القبول والترحيب من قطاعات واسعة من شرائح مهمة في المجتمع الإيراني، حيث يجري استغلال كل ذلك من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لتهديد الاستقرار في إيران.
لكن السؤال لماذا كان للعقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية تأثيرٌ قويّ على إيران، في حين أن مثل هذه العقوبات لم يكن لها التأثير ذاته في كوبا على امتداد أكثر من 60 عاماً، كما لم يكن لها تأثير على كوريا الشمالية، وحتى على سورية التي كانت عرضةً لمثل هذه العقوبات منذ مطلع العقد الثامن من القرن الماضي؟.
لاشك أن هناك ثلاثة عوامل أساسية لعبت دوراً في رفع مستوى تأثير العقوبات الأمريكية والغربية على إيران، على عكس أثر هذه العقوبات على دول أخرى:
العامل الأول، اعتماد الاقتصاد الإيراني إلى حدّ كبير على النفط، وعلى الرغم من أن الإمام الخميني عشية الثورة قد تعهّد بأن يتم مراجعة السياسة الاقتصادية الإيرانية، والكفّ عن سياسة الاعتماد على النفط، إلا أن ذلك الوعد لم يتحقق لأسباب كثيرة متنوعة ومعقدّة، وبعضها له صلة بالضغوط التي تعرضت لها إيران فور انتصار الثورة ولم تمهلها الوقت الكافي لإعادة النظر بسياساتها الاقتصادية.
العامل الثاني، شمولية العقوبات في الفترة التي صدرت فيها عن مجلس الأمن، وماهية العلاقات الدولية في تلك الفترة. إذ أنه من المعروف أن روسيا والصين كانتا جزءاً من هذه العقوبات لأنهما صوتتا على قرارات مجلس الأمن التي تم بموجبها فرض العقوبات، وبالتالي لم تعد أي دولة في العالم قادرة على كسر قرارات الحظر الدولي، باستثناء الدول التي فُرضت عليها عقوبات غربية، مثل كوبا وكوريا الشمالية وسورية، وبديهي أن هذه الدول لا تستطيع أن تشكّل رافعة اقتصادية تعوض إيران عن العقوبات الشاملة المفروضة عليها بقرارات من مجلس الأمن الدولي.
العامل الثالث، طبيعة النظام الاقتصادي الإيراني، إن هذا النظام على الرغم من بعض سماته الخاصة، إلا أنه كان نظاماً رأسمالياً صرفاً، ويسعى للاندماج بالنظام الرأسمالي الدولي، على عكس الأنظمة الاقتصادية في كوبا وكوريا الشمالية وسورية، التي كانت تعتمد على الذات، وحصّنت اقتصادها الداخلي في وجه تأثيرات الاندماج بالاقتصاد العالمي.
صحيح أن هذه العزلة الذاتية التي فرضتها كوريا الشمالية وكوبا، وإلى حد ما سورية على اقتصاداتها، كان لها تأثيرات سلبية، ولكن هذا الثمن هو الحد الأدنى المطلوب دفعه للحفاظ على استقلالية قرار هذه الدول في وجه محاولات إخضاعها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وطبيعة اقتصادها ساعدها على ذلك وقللت من الخسائر الناجمة عن فرض عقوبات اقتصادية عليها، ولم تشهد ظواهر شبيهة بالظواهر التي قادت إليها العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران.