الوهّابية المصرية في زمن السيسي! رفعت سيد أحمد
مع ولاية حكمه الثانية، والتي تبدأ رسمياً في 8/6/2018، وبعد نجاحه بنسبة97 في المائة في الانتخابات الرئاسية التي جرت أيام 26/3-28/3/2018، لا نتردّد في القول بأن واحداً من أكبر التحديات التي ستواجه نظام السيسي في السنوات الأربع القادمة، هو تحدي الإرهاب ولأن بعض مؤسّسات النظام ورموزه السياسية والإعلامية لاتزال تنظر- ومن ثم تتعامل– مع قضية مقاومة الإرهاب نظرة جزئية، وسطحية، فإننا هنا نعيد فتح الملف والتأكيد على ما قلناه كثيراً .
إن الإرهاب ليس فحسب بندقية وتفجيرات، الإرهاب فكر ومؤسسات تعمل وتغذّي هذا الفكر بالفتاوى التحريضية القاتلة بالأساس، ومن يحمل هكذا فكر.. يصبح القتل بالنسبة إليه مسألة سهلة ومشروعة وفق معتقداته الزائفة والمخالفة لروح الدين الإسلامي الصحيح، إن زمن السيسي سيواجه بتحدٍ خطر ومؤثر لن تجدي معه تلك التضحيات العظيمة والمقدّرة للجيش والشرطة المصرية، طالما بقي هذا الفكر التكفيري الذي تمتد جذوره وتمويلاته إلى الوهّابية السعودية بكل شذوذها الديني وثرائها النفطي… هنا بيت الداء وإن لم تلتفت إليه دولة السيسي وأذرعها الإعلامية والسياسية والأزهرية… فإنها ستنمو وتتوحّش وستمثل مع نهاية الأربع سنوات، مصدراً مخيفاً للتطرّف والقتل باسم الدين! والآن إلى الحقائق:
أولاً: عندما نعلم أن لهذا التيار الوهّابي (يدلّلونه زيفاً باسم التيار السلفي وهو منبت الصلة عقلاً وفكراً بالسلف الصالح !) في مصر 9 آلاف مسجد و6 آلاف زاوية (أي مسجد أهلي صغير) من إجمالى 130 ألف زاوية ومسجد في مصر ، منها 30 ألف غير مرخصة و20 ألف جمعية (خيرية !!) تصنع جنوداً من الحاملين لفكر الغلوّ، ويبثون فيها فكرهم وعقيدتهم المخالفة لعقيدة الإسلام الصحيح، فإن علينا أن نتحسّس رؤوسنا ونطالب فوراً بإعادة النظر، والرقابة، والانتباه الديني قبل الأمني.
وعندما نعلم أن هذا التيار يتلقّى من بعض الدول النفطية- تحديداً السعودية- أموالاً اقتربت خلال الـ 25 عاماً الماضية فقط من حيّز 46 مليار دولار لنشر فكرهم الشاذ، ودعوتهم المخالفة لروح الإسلام، والعصر.. فإن علينا أن نذهب فوراً إلى تجفيف المنابع المالية، فالدم يأتي مخلوطاً بالدولار والريال.
وعندما نعلم أن لهذا التيار 36 فضائية تبثّ أفكاره الشاذّة المخالفة لوسطية الإسلام والداعية لتكفير أتباع المذاهب الإسلامية من السنّة والشيعة (5 مذاهب) وتكفير الأشاعرة (مذهب الأزهر الشريف)، وأن تلك الفضائيات ليست سوى جزء يسير من إعلام فضائى ومقروء وافتراضى (عبر الإنترنت) يبث فتاوى التكفير للمسلمين قبل المسيحيين، ويتلقّى تعليمات (القاعدة) بترحاب وتأييد، فإن محاصرة تلك المؤسسات والتجفيف العلمي والديني الصحيح لهذا الفكر ومؤسساته، صار واجباً قومياً في عهد السيسي وفي ولايته الثانية تحديداً، هذا إذا كان من حوله من أهل الحكم يريدون فعلاً القضاء على هذا الإرهاب خاصة أن بعضهم تاريخياً يرتبط بعلاقات وطيدة مع السعودية وأميرها الجديد( الوهابي عقلاً وسلوكاً) رغم اندفاعاته وصفقاته وحفلاته الغنائية (المُبرمجة ) في جدّة!
ثانياً: ينبغي أن تمتلك الدولة في الولاية الثانية للسيسي شجاعة نقد الذات ونقد سُبل مقاومتها السابقة لهكذا فكر، وأن تُعيد النظر في طُرُق التصدّي له والتي كان من بينها للأسف مهادنة بعض الشيوخ والأحزاب السلفية وفتح الطرق أمام دعوتهم الوهابية، ربما إرضاء لدولة آل سعود والتي ثبت بالوثائق دعمها لذلك التيار السلفي الوهّابي في مصر مالياً وسياسياً ودَعوياً، إن هؤلاء لا صديق لهم ولاسقف لتكفيرهم ولتديّنهم المغشوش والزائِف، إنهم وعبر تاريخهم الممتد منذ إنشاء السعودية (1932) يقدمون نمطاً تكفيرياً مشوّهاً للإسلام المحمّدي الأصيل، نمطاً داعشياً بامتياز، وهنا تحضرني عبارة بليغة للعالم الإسلامي الراحل الشيخ محمّد الغزالي والذي لم يسلم من تكفيرهم وهو الإسلامي المُتديّن (كما نعلم) حين قال عنهم “كأن الدين الذى يدعو إليه هؤلاء البدو دين آخر غير دين الإسلام الذي نعرفه ونعتزّ به”. هذه العبارة في تقديرنا تلخّص حال السلفية الوهّابية في مصر وخارجها اليوم تجاه الإسلام وقضاياه وتجاه الأمّة الإسلامية وهمومها المتفجّرة، إن السلفية – وفقاً لعبارة الغزالي ووفقاً لما يقدّمه دُعاة هذه السلفية من فتاوى شاذة وغربية – تطرح على علماء الأمّة، هذا السؤال الذي بات يحتاج إلى إجابة: هل “الوهابية الراهنة” بأفكارها وفتاويها قد أصبحت ديناً آخر غير دين الإسلام الذي تنسب نفسها إليه زوراً وبهتاناً ؟.
ثالثا: إن المتأمّل في أفكار وفتاوى تلك الوهّابية وتحديداً في مصر، سوف يخرج بحقيقة هامة وهي أن هؤلاء الوعّاظ (لأنهم في الواقع لا ينسحب عليهم لفظ شيوخ فهو أرقى وأجلّ) قد أتوا بأفكار ودعاوى لا علاقة للإسلام المحمّدي الطاهر المُنزّه بها، ودعونا نقف أمام نماذج من أفكارهم ومن الأحاديث الشاذّة التي ينسبوها للإسلام
هذا هو كتاب “فضل تعدّد الزوجات”: لأحد شيوخهم في السعودية ويوزّع الآن في مصر تحت نظر أجهزة الأمن في ولاية السيسي الثانية وقد قدّم له بمقدمة إضافية وتقريزية (الشيخ) أبو بكر الجزائرى و(الشيخ) على بن محمّد بن سنان من كبار العلماء (وطبعاً لا هم علماء ولا يحزنون إنهم مجرّد وعّاظ للسلاطين وللمستعمرين!) كما يطلقون على أنفسهم. في هذا الكتيب يزعمون أن تعدّد الزوجات هو الأصل في الإسلام وليس مجرّد رخصة ومن كان قادراً مالياً وصحياً على التعدّد ولم يفعل فهو عاصٍ لله وللرسول.
ودولة السيسي تجاهد منذ جاء الرجل لحكم مصر لكي تمنع هذا الاضطهاد للمرأة، فإذ بهذا الفكر الشاذ يتسرّب من بوابات أخرى على أعين رجال الأمن والإعلام والسياسي، وكذلك الحال بالنسبة لظاهرة النقاب بكل خطرها وتداعياتها سواء على حقوق المرأة أو على الأمن العام للبلاد ومواقفهم أيضاً من المسيحين المصريين وتكفيرهم لهم في عشرات الفتاوى، الأمر الذي عدّه المراقبون تصريحاً للجماعات الإرهابية بقتلهم، وأيضاً ترحيبهم الضمني بما تقوم به تنظيمات القاعدة وداعش وأخواتهما في سوريا وليبيا والعراق… وأخيراً في سيناء وإصرارهم على عدم تكفير داعش رغم كل المجازر والإرهاب الذي مارسه هذا التنظيم…، كل ذلك أمام أنظار المسؤولين المصريين من ذوي المصالح مع السعودية التي ثبت يقيناً، دعمها ورعايتها لهذه التنظيمات! فكيف بمن يعيش وسط هذه الغابة من الفكر التكفيري بمؤسساته وجماعاته…أن يقاومه؟ إن ذلك هو أبرز التحديات التي ستواجه السيسي في فترة رئاسته الثانية.. وإن لم تمتلك الدولة في عهده جرأة نقد الذات وشجاعة كشف المستور، وقدرة تجفيف منابع هذا الفكر الوهّابي ومؤسساته، فإن خطره سيظل ماثلاً ومؤثراً.. على الناس والوطن… والله أعلم.