حول الفلتان الأمني المتنقل
غالب قنديل
تزايدت الحوادث الأمنية المتنقلة في العديد من المناطق اللبنانية مؤخرا وهي ليست محصورة جغرافيا على سبيل المثال في طرابلس او بعلبك الهرمل كما تحاول بعض الجهات السياسية والإعلامية تصويرها ويمكن لمن يراجع التقارير الإعلامية والصحافية ملاحظة ان ظاهرة الزعران والاشتباكات وجرائم السرقة والقتل والانتحار طالت سائر المناطق وهي غير بعيدة عن آفات اجتماعية عديدة اشتدت وطأتها مؤخرا كالبطالة والمخدرات والتهميش والنزوح.
يطغى على المطالبة بخطوات عاجلة بعد امني عسكري وتتكرر في البيانات تعابير الحث على الحزم والضرب بأيد من حديد فتعقد الاجتماعات الطارئة وتصدر التدابير والتوجيهات التي تحدث صدمة موضعية لا تلبث ان تفتر حرارتها فتعود الأمور إلى سابق عهدها.
إن قيام المؤسسات المسؤولة عن الأمن بواجباتها هو امر بديهي ويفترض اتخاذ قرار سياسي حازم يرفع التغطية عن أي متجاوز او مسيء انطلاقا من محاصرة المتورطين في علاقات شراكة وحماية لشبكات اللصوص والتهريب وتجارة المخدرات وهذا هو اول الطريق الذي يتوجب على السلطة السياسية ان تكشف خفاياه وتبني عليه إجراءات وتدابير حازمة داخل المؤسسات الأمنية وعلى الصعيد العام.
لامجال للفصل بين المعالجة الأمنية الموضعية الحازمة والمعالجة السياسية القانونية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فانطلاق تحرك ذي مصداقية وجدوى يوحي بالثقة لتنمية المناطق المحرومة والمهمشة وخلق المزيد من فرص العمل هي خطوات لا تنفصل عن الجهد المطلوب إعلاميا وثقافيا من الدولة والمجتمع للحد من انتشار الآفات الاجتماعية التي تتكون منها بيئة تفشي الفلتان.
إسقاط الحمايات السياسية والطائفية عن رؤوس العصابات والزعران وتحرك المؤسسات الأمنية وضمان تطهيرها من المتورطين والمتواطئين مترابطان بصورة وثيقة وعضوية بمباشرة النقاش حول التدابير والخطط الإنمائية التي تحيي العروق الاقتصادية اليابسة في المناطق المهملة.
لا تأتي هيبة الدولة فحسب عن طريق البطش والشدة بل كذلك عبر التنمية والعدالة والرعاية الاجتماعية وهذا درس تقدمه التجربة اللبنانية نفسها كما تزخر به تجارب عالمية عديدة ولبنان بجميع مناطقه يحتاج إلى حالة طواريء إنمائية لإنهاء التهميش الجماعي لشرائح اجتماعية متزايدة يلقى بها في دوامة المخدرات وتتوه في عالم الجريمة المنظمة وهي ظواهر تلتهم الآلاف المتزايدة من الشبيبة اللبنانية الدائرة في الفراغ .
ظواهر الإدمان على المخدرات ومصنفاتها المختلفة لاسيما الصناعية وتصيد المتورطين إلى عالم الجريمة لصالح عصابات اللصوص وفارضي الخوات ولصوص السيارات ومهربي السيارات المسروقة اومسوقيها هي ظواهر منتشرة في جميع المناطق وليست موجودة فحسب في بعلبك الهرمل ولو دقق كل لبناني حوله وفتح عينية سوف يكتشف ان ذلك الوباء يحاصر منزله وأفراد عائلته ويهدد كل شيء وهو موجود في المقاهي التي تضج بروادها الشباب والفتيان والفتيات وموجود في الأندية الليلية والمجمعات الجامعية وعلى أبواب المدارس وفي بعض الصيدليات وداخل أوكار المرابين في الأحياء والبلدات والقرى ويجب ان يلتفت المعنيون إلى كل ذلك.
درج النظام اللبناني على ملاحقة المجرمين الصغار وحماية الرؤوس الكبيرة المتداخلة ببنيته السياسية او المحصنة اجتماعيا بتركيبة عائلية وعشائرية تقدم لها الحماية ومالم تصبح هوية الدولة اقوى من جميع الحمايات الاجتماعية والسياسية لن يستقيم تطبيق القوانين وسيبقى أسير استنساب مشكوك في عدالته ونزاهته وابتعاده عن الشبهات.
الخراب يزحف في جميع ارجاء المجتمع كما يزحف اليباس والتلوث في جبالنا الخضراء نتيجة التوحش والجشع المنظم الذي طحن الجبال ولوث الأنهار وسمم البحر فالمسألة ليست كناية عن حوادث موضعية عارضة هنا او هناك بل هي ظاهرة شاملة وخطيرة تشي بالتوسع والتفاقم وعبثا يراهن المنتظرون على إطفائها بالمسكنات وبالتدابير الجزئية.