بقلم غالب قنديل

تراجعات ترامب

غالب قنديل

بأقل قدر ممكن من الضجيج مررت الولايات المتحدة توقيع اتفاق تجاري مع الصين تضمن تراجع إدارة الرئيس دونالد ترامب عن التدابير الحمائية التي اتخذتها ضد الصين ورفعت من خلالها جدار الرسوم الجمركية وهو ما كان أبرز بنود وشعارات برنامج ترامب ومعركته الرئاسية وقد جاء التراجع الأميركي تحت وطأة التدابير المضادة التي اتخذتها الصين مع استمرار الحرب الأميركية الباردة المفتوحة من خلال نشر المزيد من الوحدات العسكرية البحرية والجوية والبرية حيث امكن في الجوار الجغرافي لروسيا والصين وفي مقربة من مجالهما الحيوي استراتيجيا وهو ما يفسر خطوات اميركية اعتبرت استفزازية في اوروبا الشرقية والوسطى وفي بحر الصين وأفريقيا حيث تدور مواجهات ضارية تجاريا واقتصاديا وماليا بين الصين والولايات المتحدة وبالطبع إضافة إلى الاحتدام الكبير في الشرق العربي وحوض المتوسط.

تراجع ترامب امام الصين واضطر للمساومة على تدابيره الحمائية بقوة الردع المالي والاقتصادي الصيني لكنه يقود فصول المواجهة المستمرة استراتيجيا حول مستقبل العالم والشرق بوجه خاص من خلال حروب الوكالة المتنقلة.

أصالة التوازنات الرادعة أرغمت الرئيس الأميركي أيضا على اتخاذ القرار باستئناف التحضيرات للقمة المقررة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون بعد موجة من التصعيد والتهويل ردت عليها بيونغ يانغ بإلغاء القمة وبات سقف التفاوض واضحا عبر تمسك كوريا الشمالية بحقوقها السيادية بعدما أثارت تصريحات ترامب ومستشاره جون بولتون حفيظة القيادة الكورية وحليفيها الصين وروسيا فقد وضعت واشنطن لقاء القمة ضمن سياق عدواني أميركي باستنساخ خطة احتلال ليبيا وتدميرها إثر تخليها عن برنامجها النووي وهو امر سبق للزعيم كيم جونغ اون ان تناوله في تصريح رأى فيه يومها ان الدرس المستفاد من الاحداث الليبية هو التمسك بقدرات الردع لمنع الهيمنة الأميركية العدوانية وعدم جدوى النوايا الطيبة في التعامل مع إمبراطورية استعمارية متغطرسة.

بالمقابل يواجه الرئيس الأميركي اختبارا معقدا في مستقبل العلاقة عبر المحيط بأوروبا الغربية التي تدور في الفلك الأميركي منذ الحرب العالمية وتحول مؤخرا موضوع الموقف من الاتفاق النووي الإيراني إلى امتحان دقيق للعلاقة بين واشنطن وحلفائها التقليديين في الغرب إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني إلى عاصفة تهدد المصالح الأوروبية الاقتصادية في إيران واستكمل الطوق الاميركي الخانق الذي انطلق بالعقوبات الأميركية ضد روسيا التي باتت في جوهرها عقابا لأوروبا.

متى تتحول ثمار العنجهية والغطرسة إلى مشكلة اميركية داخلية ؟ ومتى يتطور انعكاسها السياسي داخل الولايات المتحدة الذي ما يزال ضعيفا؟ ذلك ما يعول خصوم سياسة ترامب في العالم على تفاعلاته المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى