صراع المحورين يحسم في سورية
غالب قنديل
يمكن للمتابع ان يلاحظ تكيف محور المقاومة وفقا لقواعد المساكنة السياسية مع المحور المضاد في لبنان والعراق وهي قواعد تنظم اقتسام السلطة السياسية بمواقعها ومكاسبها وقد فرضت قوى المقاومة والممانعة في البلدين على المحور الأميركي السعودي الصهيوني الرضوخ لتلك القواعد ضمن مجموعة من الضوابط والخطوط الحمراء التي فشلت محاولات واشنطن لكسرها خلال السنوات الماضية.
كان آخر فصول المحاولة اختبار استخدام قوى التكفير التي استولدها وجلبها ورعاها الحلف الأميركي الصهيوني لحسم الصراع كليا وللتخلص من ضوابط المساكنة التي فرضتها عليه هزيمته في حرب تموز واضطراره للهروب من العراق بعد ذلك.
الحصيلة التي أسفرت عنها سنوات القتال والمواجهة ضد قوى التكفير التي استعملت في حرب أطلسية صهيونية بالوكالة كانت هزيمة مدوية للمخطط الأميركي وفرضت خضوع الحلف الذي رعى داعش والقاعدة وجماعة الأخوان المسلمين لقواعد المساكنة مرة جديدة بعدما عاش هذا الحلف وقادته في واشنطن ومجالس الناتو سبع سنوات من الرهان على فرصة كسرها بطواحين الدماء التي أغرقت لبنان وسورية والعراق وشكلت الانتخابات العراقية واللبنانية الأخيرة مجالا لبلورة النتائج السياسية داخل البلدين وتوازنات الحكم المتحولة فيهما على مستوى السلطة السياسية الطائفية وتكوينها وخياراتها اما في سورية فقد عززت هزائم الإرهاب والعدوان قوة الدولة الوطنية السورية ورصيدها الشعبي المتعاظم كما عززت مناعتها في وجه المساعي الاستعمارية الرجعية لاستنساخ المساكنة السياسية في سائر الطروحات حول الحل السوري.
يمكن القول إجمالا إن محور المقاومة رسخ قواعده وضوابطه في قلب المساكنة السياسية والشراكة مع المحور المضاد داخل النظام السياسي الطائفي في كل من لبنان والعراق حيث تظهر سياسة الدولة وخياراتها الإقليمية في حاصل تجاذب داخلي وخارجي تتحكم به التوازنات المتحولة وما من شك ان مستقبل الصراع بين المحورين سيتقرر في ضوء مستقبل الاحداث السورية فهناك تدور المجابهة الضارية لحسم مستقبل المنطقة والعالم.
رغم الفشل ما تزال الولايات المتحدة تواصل سعيها الحثيث لإلحاق سورية بقواعد المساكنة التي تتيح لها الحفاظ على كمية من المصالح ومواقع النفوذ التي تضعف جذرية الخيار القومي والوطني التحرري والاستقلالي الذي تتمسك به الدولة السورية ويجسده الزعيم العربي المقاوم الرئيس بشار الأسد.
يعكس الموقف الأميركي والغربي ومواقف سائر الحكومات العميلة الشريكة في العدوان على سورية مما يسمى العملية السياسية السورية تلك الرغبة الجامحة بلجم وتأخير نهوض القوة القومية لسورية في المنطقة خشية تحولها إلى نقطة جذب وتحريكها لإعصار جارف في المنطقة على طريقة الدومينو مما سيهدد سائر الحكومات الخاضعة للهيمنة الأميركية الصهيونية.
تدرك القيادة السورية هذه الحقيقة وهي ادارت الصراع السياسي بالشراكة مع حلفائها الكبار من هذا الموقع وكان صمام الأمان دائما هو التمسك السوري بالسيادة والاستقلال وبعلمانية الدولة الوطنية المدنية اللاطائفية وبالاحتكام إلى صناديق الاقتراع أي إلى الإرادة الشعبية في تقرير مستقبل النظام السياسي في سورية.
كشفت القيادة السورية مغزى الوصفات السياسية المنتجة للإنقسامات والعصبيات في جميع مقاربات الغرب والخليج وأذنابهما من واجهات المعارضات السورية فالغاية هي ضرب الاستقلال وجعل سورية في احسن الأحوال ساحة ركيكة متنازعا عليها انطلاقا من ضرب فكرة الدولة الوطنية واستبدالها بنظام المحاصصة الطائفي لأن الدولة الوطنية السورية المركزية بقطاعها العام وبقواتها المسلحة وبسائر مؤسساتها الراسخة هي التي شكلت قلعة منيعة في وجه الحرب الاستعمارية المدمرة ومنعت تحول العدوان إلى حرب اهلية تقسم الأرض والشعب كما يتردد في الصورة الإفتراضية الإيحائية والنمطية التي يجترها الإعلام الغربي.
ما تزال تلك الوصفة مطروحة وهي تتراجع وتتآكل مع كل تقدم يحرزه الجيش العربي السوري في المسيرة الوطنية لتحرير البلاد من اوكار عصابات التكفير والإرهاب ومن الاحتلال الأجنبي الأميركي والفرنسي والصهيوني والتركي وتمثل شراكات سورية الاستراتيجية قوة وثقلا مضافا في هذه المواجهة.
الأكيد ان النصر النهائي في سورية يقترب وهو سيسقط جميع اوهام الخضوع للخطط الأميركية الصهيونية الرجعية فسورية مصممة على الخروج منتصرة بوصفها قلب محور المقاومة ومركز حلف التحرر العالمي من الهيمنة الأميركية ولن تكون ساحة تجاذب او صراع او مساكنة ومنها ستشع تحولات كثيرة نحو لبنان والعراق وفلسطين والمنطقة بأسرها.
لكل أمر أوان هي القاعدة التي اعتمدها الرئيس بشار الأسد في رسم المراحل وجدول المهام والأولويات منذ انطلاق حملته لتحرير سورية وإنقاذها واليوم نشهد انقلابات كبرى تراكمت مقدماتها ومعالمها من غير ضجيج وبلا خطب نارية بل بتضحيات كبيرة وبشعارات متواضعة فقد باتت التهديدات الأمنية طرفية في الجغرافية السورية واستعادت الدولة الوطنية سيطرتها في قلب سورية السكاني والاقتصادي الذي عاد يخفق ويضخ الدماء في شرايين البلاد بينما يقف حلف العدوان مهزوما عاجزا ومندحرا امام الإنجازات المحققة بتضحيات الجيش والشعب والتتمة الآتية لا محالة تثير ذعر الصهاينة وشركائهم من الغرب ومن العرب.