بقلم غالب قنديل

أول انطلاقة لنظام الطائف

غالب قنديل

مع انعقاد المجلس النيابي المنتخب وانتخاب الرئيس نبيه بري ونائبه إيلي الفرزلي تبدأ مرحلة سياسية جديدة دشنها انتخاب الرئيس العماد ميشال عون وهي مرحلة في نظر البعض تم منع انبثاقها بعد الطائف مباشرة بقطع التواصل الممكن بين الجنرال عون وكل من الرئيس الراحل حافظ الأسد وزعيم حركة امل الذي سعى في جهود كثيفة بذلها مع حلفاء وشركاء ووسطاء لتسهيل انضمام زعيم التيار الوطني الحر إلى عملية تطبيق الطائف ..

اليوم هي اول انطلاقة فعلية لتطبيق نظام الطائف بدءا من تصحيح التمثيل السياسي والنيابي الذي تحقق نسبيا وبفضل النسبية وهي علامة فارقة تسجل لعهد الرئيس ميشال عون ولتفاهمه مع حزب الله وكذلك لرئيس المجلس الذي اطلق مبادرات كثيرة لتطبيق اتفاق الطائف بسقفه الإصلاحي المفتوح وكان يكرر خلال اتصالاته بحليفه زاهر الخطيب أثناء انعقاد المؤتمر على ضرورة التمسك برزنامة مستعجلة لإلغاء الطائفية السياسية وكان حذر بري في مكانه من عادة “تحويل المؤقت إلى دائم” الراسخة في النظام اللبناني وهو يستذكر نصوص خطب أركان الميثاق الأول للعهد الاستقلالي وما تضمنته من لعنات للطائفية “البغيضة” وتعهدات بتخطيها ومن يقرأ مداخلاته في محاضر حوارات جنيف ولوزان وخطاباته بعد انتفاضة 6 شباط يلمس حرارة التصميم على شق مسار إصلاحي جديد دستوريا وسياسيا واقتصاديا وعلى قاعدة التمسك بالعروبة والمقاومة.

أسقطت الانتخابات النيابية التي جرت هذا العام نغمة الطعن بشرعية المؤسسات التي شهدناها منذ اتفاق الطائف إلى اليوم والفضل للنسبية التي اعتمدت في القانون الانتخابي على أساس الدوائر الوسطى رغم تطبيقها بدون ما اشترطه اتفاق الطائف لجهة نظام المجلسين ومباشرة تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي وتأسيس مجلس للشيوخ لكن الحصيلة ألغت اعتراضات كثيرة متكررة على غبن التمثيل الطائفي أو السياسي وأظهرت النتائج الأحجام الواقعية للكتل والقوى السياسية بعيدا عن الانتفاخ الذي افتعله النظام الأكثري وتفصيل الدوائر الذي استمر كمنهجية بكل أسف.

المفارقة أنها المرة الأولى التي يكون فيها إجماع شبه كامل على شرعية المجلس الدستورية وعلى صدقيته التمثيلية وبالتالي اعتراف إلزامي بشرعية ما سيصدر عنه رغم تنكر العديد من الأطراف لأدوارها في الموافقة على قانون الانتخاب الذي أطلقه واقعيا تفاهم ثلاثي ضم حركة امل والتيار الوطني الحر وحزب الله منذ بداية النقاش حول القانون وينبغي القول إن هذا الثلاثي تناغم في ضمان إقرار النسبية وادار أطرافه معركة القانون معا حتى حين تباينوا أو اختلفوا في التفاصيل.

مجلس نيابي جديد يشبه المجتمع اللبناني بجميع تلاوينه وميوله واتجاهاته ولا مجال للطعن في مصداقية تمثيله أو شرعيته من أي موقع كان وهي فرصة نادرة لانطلاق عملية استكمال تطبيق اتفاق الطائف بجميع بنوده كما وعد الرئيسان ميشال عون ونبيه بري الذي ركز على أولوية تطبيق المادة الخامسة والتسعين من الدستور أي انطلاق الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية التي كرر محاولاته بشأنها منذ التسعينيات واصطدم باعتراضات قاسية وعنيدة.

زعامة الرئيس نبيه بري بوزنها الشعبي والوطني مكرسة بقوة الوقائع العنيدة والراسخة قبل الانتخابات وبعدها وقد حصنتها النتائج فبات الاعتراف بها حقيقة ميثاقية تفترض الابتعاد عن المغامرة بمعارك سياسية في غير محلها ومحكومة بالخسارة وهي عبرة يفترض ان تعطي جرعة من الواقعية السياسية لأسلوب التعامل مع رئيس المجلس النيابي الذي نتوقع منه إطلاق مبادرات دستورية وسياسية تستكمل تطبيق اتفاق الطائف وتنهي تعليقه المتواصل ومتابعة دوره الهام في حراسة الوحدة الوطنية والذي شكل من خلاله صمام الأمان في المراحل العاصفة والمشحونة بالمخاطر التي اجتازها البلد بأقل الخسائر بفضل مبادراته السياسية فأحبط خضات خطيرة كانت مدبرة.

ما نأمله ان يستوعب سائر الأطراف دروس التجارب ويعيدوا تقويم نتائج المراحل السابقة ويجروا حسابات واقعية لتحصين الوحدة الوطنية وللخروج من شرنقة الوصاية والضغوط التي تفرض على لبنان أن ينأى عن الشقيقة سورية التي اعتبر اتفاق الطائف ان العلاقة بها هي دلالة الانتماء العربي وسورية هي شريكة المقاومة والتحرير ومحاربة الإرهاب ومجالنا الحيوي الوحيد الذي حين ندير له الظهر لا يبقى لنا غير خوض البحر وعدو يتربص بنا من كل الجهات وهي الحقيقة التي خبرها وعرفها بعمق رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي وعلى حكمتهما يعول المخلصون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى