هستيريا بومبيو وبيان النصر السوري
غالب قنديل
ربما في ذات التوقيت او بفارق زمني ضئيل تلقى العالم تهديدات مايك بومبيو وبيان انتصار سورية الجديد على حلف العدوان بتحرير مدينة دمشق والغوطة كليا من عصابات الإرهاب والتكفير أي فصائل الثورة المزعومة التي دعمتها واشنطن وتل أبيب والرياض واسطنبول والدوحة ولندن وباريس وعمان وقد شاركت حكوماتها ومخابراتها وقواتها الخاصة غالبا في تكوين حلف إجرامي عدواني ورطت فيه عشرات الدول التي جندتها بقيادة أميركية وسعت من خلال ذلك إلى تقويض الدولة السورية وكسر محور المقاومة الذي غير البيئة الاستراتيجية إقليميا ودوليا وحول التهديد إلى فرصة فعادت روسيا والصين إلى سدة القرار العالمي وحضرت القوات الروسية من سورية مباشرة في نموذج للتحالف الحر الذي يحترم قواعد السيادة والقانون الدولي بينما تعززت قوة محور المقاومة بفضل الشراكة الوثيقة بين سورية وإيران وحزب الله.
البيان السوري يعلن هزيمة جديدة للمخطط الأميركي الذي ستتكفل المسيرة الوطنية السورية بتدميره كليا وهو يزف إلى العالم خبر الهزيمة المدوية لعصابات التكفير والتطرف ولمرتزقة الناتو الذين حاولوا احتلال العاصمة السورية وتمركزوا في أريافها الممتدة نحو وسط سورية وحدودها من جميع الجهات طوال سبع سنوات من القتل والتدمير بواسطة جيوش متعددة الجنسيات تشكل فيها خليط من العملاء والمرتزقة والمتطرفين بوصفهم اداة حرب أميركية غربية بالوكالة ضد الدولة الوطنية السورية.
في قلب الإنجاز السوري العظيم مساهمات إيرانية جليلة وشهداء من القادة والضباط الذين قدموا لنجدة الأشقاء في سورية التي لم تبخل في نجدة إيران الجمهورية وتحدت الكثير من الصعوبات والضغوط انطلاقا من ثقتها بكون إيران قلعة مناهضة للهيمنة الاستعمارية ومعادية للصهيونية وعلى ذلك قام ميثاق المحور الإيراني السوري الذي احتضن قوى المقاومة الشعبية التي أسقطت كذبة التفوق الإسرائيلي ومزقت وهم القوة التي لا تقهر.
الشراكة السورية الإيرانية تمثل نموذجا للوفاء وللمصداقية وهي شراكة دم ومصير وحياة بين الشعبين والدولتين، شراكة أشد ما ترعب وتربك حليفي إدارة ترامب المدللين إسرائيل والمملكة السعودية الواجفة والمرتعبة من نهوض مارد عربي جديد يقوض ركائز الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في البلاد العربية ويتخطى بكثير أقصى آفاق الرعب السعودي المختزن من زلازل زمن جمال عبد الناصر التي صدع جميع انظمة الحكم الرجعية المتخلفة والتابعة في المنطقة.
القادم من سورية بات معلوما باليقين في جميع العواصم الإقليمية والدولية التي خبرت في الحرب وجود رئيس وقائد وزعيم شعبي صلب وثابت على رأس دولة عصية وجيش تطور بسرعة مذهلة وحصد الانتصارات وتكيف مع الشراكات المتعددة واغتنى بتنوع العقائد والمدارس وتخشى جميع تلك العواصم قوة تحالفات سورية وشراكاتها خصوصا مع روسيا وإيران الشريك الإقليمي للجمهورية العربية السورية منذ انتصار الثورة قبل أربعة عقود.
يعرف العالم بأسره ان تهديدات وزير الخارجية الأميركية لإيران واللغة غير الدبلوماسية التي تحدث بها تعكس غيظا كبيرا وانفعالات حادة لمتعصب عنصري ويحفزها الشعور بالمأزق الذي تعيشه إدارة دونالد ترامب منذ إعلان انسحابها من الاتفاقية الدولية الموقعة حول البرنامج النووي الإيراني.
لا تتسع مخيلة بومبيو المسطحة لابتكارات جديدة فكل ما تعلنه واشنطن أو تلوح به ضد إيران مجرب ومختبر ضمن سلة السياسة العدوانية التي ثبت عجزها عن إخضاع إيران وخيارها الاستقلالي التحرري منذ قيام الجمهورية ويدرك المخططون الأميركيون بالأرقام والمعطيات الصلبة ان إيران بلد انتصر على الحصار وحول جميع التهديدات إلى فرص وهو اليوم عضو بارز وشريك رئيسي في تحالف عالمي مناهض للهيمنة الأميركية الأحادية في العالم، الهيمنة الاستعمارية التي تتصدع وتترنح رغم مكابرة المؤسسة الأميركية الحاكمة وغطرستها.
الكلام الصاخب موجه ضد إيران ودورها المتعاظم في حلف مناهضة الهيمنة الأميركية وضد شراكتها مع سورية في محور المقاومة المناهض للعدوانية الصهيونية والمساند لانتفاضة شعب فلسطين لكن العقوبات الأميركية التي يتوعد بها وزير الخارجية في نوبة غضبه الهستيرية لها هدف اول يسبق ما عداه هو الثلاثي الأوروبي الذي تخشى الولايات المتحدة من نجاح التكتل الشرقي روسيا وإيران والصين (القوية الهادئة) في جذبه إلى صيغة عمل مشتركة فيها العديد من المصالح والمزايا.
يخشى المخططون الأميركيون بشدة نجاح روسيا والصين وإيران في زحزحة الخضوع الأوروبي الصارخ لمشيئتهم وتلك ستكون نكبة وفاجعة خطيرة للغطرسة الأميركية والتصريحات الألمانية والفرنسية وحتى البريطانية أربكت وزير الخارجية القادم من الاستخبارات المركزية وراوده السؤال المقلق هل ينجح تكتل الشرق بمناسبة الاتفاق النووي في فرض واقع دولي جديد يحاصر الولايات المتحدة.
لن يفيد إدارة ترامب في تحاشي المأزق مقدار استجابتها لطلبات محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو بينما تحظى الشركات الأوروبية بمكافآت وعقود سخية يسيل لها لعاب نظيراتها الأميركية ولذلك فمن يقرأ خطاب بومبيو بعين فاحصة يتبين بكل وضح ان التهديدات اللفظية القاسية ضد إيران هي نتيجة للعجز الأميركي عن تطوير مبادرات عدوانية بفعل استعصاء توازن القوى ومناعة القدرة الدفاعية لإيران ولمحور المقاومة خصوصا في سورية أما العقوبات الراهنة والتي يهدد بها بومبيو فهي موجهة ضد اوروبا ويمكن اختصار الخطاب بموجة غضب هستيري تعكس مخاوف واشنطن الجدية من تحول في موقف اوروبا وموقعها لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
ختاما في زمن تراجع الإمبراطوريات وهزائمها يحل الصراخ مكان القدرة المتآكلة فلا يعوض انحسارها ولا يمنع انهيارها ومن يعش يرى.