النووي الإيراني: مرة أخرى هل ترضخ أوروبا للإملاءات الأميركية؟: حميدي العبدالله
أطلق زعماء في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما قادة الدول الأوروبية الذين شاركوا في المفاوضات ووقّعوا الاتفاق النووي الإيراني، المزيد من التصريحات التي تؤكد عزمهم على رفض الامتثال للضغوط الأميركية، وتمسّكهم بالاتفاق. وبات هامش المناورة أمامهم محدوداً، فمن جهة الولايات المتحدة، أو بالأحرى إدارة ترامب، توافق على استمرار بقائهم بالاتفاق، لكن شرط أن يُقنعوا إيران بقبول التفاوض حول وجودها في المنطقة وحول برنامجها الصاروخي. وإذا لم تنجح أوروبا في إقناع إيران بقبول مبدأ التفاوض حول هاتين المسألتين وحول قضايا أخرى تتعلق بالاتفاق النووي ذاته، فإنّ واشنطن سوف تنفذ تهديداتها بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تنشط في إيران .
إيران من جهتها تطلب الآن من الدول الخمس التي وقعت على الاتفاق الالتزام برفع العقوبات والتعهّد بالإيفاء بكلّ الالتزامات التي نصّ عليها الاتفاق والتي تنعكس إيجاباً على الوضع الإيراني، وأنها لا تقبل أيّ التفاف على ذلك، وهي أمهلت الأوروبيين أسابيع قليلة لإعطاء ضمانات حول التزامهم بالاتفاق، لكي تواصل إيران الالتزام به وعدم الانسحاب منه والعودة إلى تخصيب اليورانيوم واستئناف برنامجها النووي.
هكذا يبدو واضحاً أنّ على أوروبا أن تتخذ قراراً واضحاً لا لُبس فيه ولا غموض، إما الصراع مع الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً، وإما الالتحاق بالولايات المتحدة، وبالتالي الانسحاب من الاتفاق.
واضح أنّ التحدّي الذي تواجهه أوروبا ليس بالتحدّي البسيط، ولم تعُد المسألة محصورة فقط بالبُعد الاقتصادي، بل تعدّته إلى البُعد السياسي، وتحديداً سيادة الدول الأوروبية، التي باتت مهدّدة من قبل الإدارة الأميركية التي لم تعطَ حتى بالشكل لأوروبا فرصة أن تظهر بأنها شريك وحليف للولايات المتحدة من موقع السيادة والندّية والمصالح المشتركة.
كارل بيلدت، رئيس وزراء السويد السابق، سلّط الضوء على هذه المسألة قائلاً «إنّ الشركات الأوروبية بالتأكيد قادرة على الاستمرار بأعمالها من دون التجارة مع إيران»، ولكنه يستدرك قائلاً مشدّداً على أهمية عامل السيادة الذي هدّده الرئيس ترامب بإنذاراته إلى الأوروبيين «لكن السيادة الأوروبية في ما يتعلق بالشؤون الخارجية يمكنها بالكاد البقاء على الحياة مع التوجّهات الجديدة للبيت الأبيض». ويشرح المقصود بذلك «الامتثال يعني أنّ القليل من الجهات هي التي ستثق في الاتحاد الأوروبي باعتباره جهة فاعلة ذات سيادة في السياسة الخارجية والأمنية».
إذاً أوروبا في وضع لا تُحسد عليه في هذه المسألة.