تعديل قواعد المساكنة ام الحسم ؟
غالب قنديل
تقود القراءة المعمقة لنهج محور المقاومة إلى التعرف على توجهات دفاعية في مختلف الساحات التي تشهد مجابهة وحروبا مع المحور الأميركي السعودي الصهيوني بينما تتحول تلك السياسة إلى مساكنة مع استطالات المحور المضاد وأدواته وحيث تدور انماط متعددة من الصراع السياسي والإعلامي والمعارك الانتخابية يتركز معظمها على محاولة الفريقين لتعديل قواعد المساكنة وبناء توازنات جديدة تحكمها وتعبر عنها ومرد النزعة الدفاعية ان المنطقة برمتها هي عرضة لغزوة استعمارية صهيونية رجعية تجسدت بحروب مباشرة وحروب بالوكالة منذ مطلع الألفية وبالذات بعد غزو العراق واحتلاله وقد اجتاز محور المقاومة بنهجه الدفاعي فصولها الأشد هولا في حرب تموز 2006 ومن ثم في الفصول المتلاحقة لحروب استعمارية بالوكالة من خلال زمر الإرهاب والتكفير ضد سورية والعراق وحرب تدميراليمن.
في سورية تدور رحى الحرب بين المحورين مباشرة وتظهر ملامح إنجازات محور المقاومة وانتصاراته بكل وضوح وقد تعززت عبر سورية شراكة محور المقاومة مع روسيا في جميع مستويات الصراع ويتأكد التوجه إلى مرحلة جديدة سيكون الرئيسي فيها الكفاح لطرد قوات الاحتلال الأميركية الفرنسية بينما توضع القيادة التركية امام استحقاق الاختيار بين الرحيل التام من سورية في حصيلة عملية الاحتواء الروسية الإيرانية او خوض مواجهة لن تكون فيها سورية وحيدة بمجابهة المحتل العثماني اما معادلات الصراع ضد العدو الصهيوني فهي باتت محكومة بردع نوعي فرضه محور المقاومة ويعمل على تطويره وتترسخ قواعد العمل عليه من جبهة الجولان.
ستبقى سورية حلقة صراع مركزية لإعادة تشكيل ورسم توازنات المنطقة ومن حولها ترتسم التوازنات والتحالفات المكونة للمحورين لكن وجهة تطورها باتت شبه محسومة وفقا لما تؤشر عليه التطورات والتوجهات التي عبرت عنها قمة الرئيسين بوتين والأسد الأخيرة في سوتشي.
في العراق ولبنان اللذين شهدا انتخابات تشريعية مؤخرا يتبنى محور المقاومة نهج المساكنة مع المحور المعادي وتعبر التوازنات السياسية والنيابية وبالتالي الحكومية المقبلة عن معادلات المساكنة الممكنة ولا يشير نهج المحور إلى السعي للحسم في أي من الساحتين انطلاقا من التشابكات السياسية والطائفية التي تتحكم بالصراع السياسي وتفرض عليه تعقيدات تضعها قيادة المحور في اعتبارها وتفضل معها العمل على طريقة الاحتواء المتدرج والتعديل التراكمي للتوازنات.
اما في اليمن وفلسطين فالصراع متواصل بين المحورين وفي حين ينفتح الفريق الوطني اليمني على احتمالات التسوية والمساكنة التي ما زال يرفضها النظام السعودي وشركاؤه حتى اليوم وهو ما يأمل محور المقاومة بتبديله من خلال تعديل التوازن في معركة عض الأصابع الصعبة والمستمرة على أرض اليمن المشتعلة بالحرائق والمذابح لكن في فلسطين لم يعد من مجال لتوهم تسويات ممكنة تقود إلى المساكنة مع الكيان الاستعماري الصهيوني بفعل جذرية الخطة الصهيونية المبنية على تصاعد الاستيطان والتطهير العرقي والاقتلاع الجماعي وفرض الإذعان للهيمنة من خلال ما يسمى بالتطبيع الذي تتجند له انظمة عربية عديدة تلبية للمشيئة الأميركية ورغم استغراق قيادات فلسطينية رئيسية في مثل تلك الأوهام التي يحاصرها ويفضحها تصاعد الانتفاضة الشعبية والمقاومة المسلحة يتبنى محور المقاومة نهج دعم الانتفاضة والمقاومة ويسعى لاحتواء القيادات التسوية رغم ارتباطاتها الوثيقة بجناحي المحور الأميركي السعودي القطري الصهيوني ومحور رهان المحور المقاوم هو جذرية المشروع الصهيوني وضغوط موجة الرفض الشعبي المتجدد التي تحتضن انوية مقاومة شابة وديناميكية تفرض حضورها في المشهد الفلسطيني كما بينت مسيرات العودة في ذكرى النكبة.
لا تشير الوقائع إلى حسم قريب في صراع المحورين يلغي حالات المساكنة القائمة والمستمرة ويبدو واضحا ان الرهان السعودي الصهيوني على استدراج حرب اميركية ضد إيران ما يزال بعيد المنال رغم الخطوات التصعيدية التي اتخذتها إدارة ترامب منذ انسحابها من الاتفاق النووي والأرجح ان بديلها المتوقع هو فصل جديد من حروب الوكالة وفقا لما يشير إليه إخراج المحافظين الجدد لمريم رجوي ومنظمتها الإرهابية من مستودعات وكالة المخابرات المركزية ونفض الغبار عنها في لقاءات مع وسائل الإعلام الأميركية.
تحدثت مصادر الخارجية في واشنطن مؤخرا عن قرار اميركي سيعلنه مايك بومبيو قريبا ببناء تحالف دولي ضد إيران من المشكوك في ان يحظى بمشاركة الدول الأوروبية التي استعملت لهجة مرتفعة في التصدي للعقوبات الأميركية التي استهدفت اعمال شركاتها في إيران ويدور التجاذب بين إيران وشريكيها روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة لاستمالة الموقف الأوروبي وحسم انحيازه وستجد واشنطن على الأرجح في طليعة حلفها الدولي المرتقب شريكين محسومين هما المملكة السعودية وإسرائيل.
الاستقطاب العاصف المقبل سيجعل شروط المساكنة بين قوى المحورين أشد صعوبة وحرجا من السابق وسيحاصر التفاهمات المحلية وهو ما يفسر الخطوات السياسية والعملية التصعيدية التي يتخذها الأميركيون وشركاؤهم لتكبيل فرص التسويات والتفاهمات في لبنان والعراق ولمواصلة قطع الطريق عليها في اليمن لكن الأكيد ان محور المقاومة سيبقي الأبواب مفتوحة ولن يتخذ مبادرات الحسم إلا بقوة الاضطرار إذا أدارت أذرع المحور المعادي ظهرها للتسويات الداخلية بشروطها الجديدة.