مسيرات العودة حركة مقاومة جديدة في مواجهة الإرهاب الصهيوني رفعت سيد أحمد
إن هذه المقاومة الفلسطينية كان ولايزال هدفها دفع الإجرام الصهيوني بعيداً عن المقدّسات وهدفها إحقاق الحق لأهله بإعادتهم إلى أرضهم المُغتصَبة، وهدفها قبل هذا وبعده حماية الإسلام ذاته والذي تتعرّض قِيَمه ورموزه في فلسطين إلى التهويد والأسرَلة… إن مَن لا يُدرك القيمة الكبيرة والرائعة لمسيرات العودة المليونية من مثقّفي وسياسيي البترودولار.. لا يستحق أن يكون عربياً بل ولا حتى أن يكون إنساناً طبيعياً يرى الباطل يرتفع أمامه فلا يقول له: لا ولا يصدح بالحق ويُنافح عن أهله والله أعلم.
ها هي فلسطين تستيقظ من جديد، نافِضةً عن كاهلها غُبار التسوية السام ذلك الغبار الذي أوجدته أوسلو ومن قبلها وادي عربة وكامب ديفيد، ها هي تستيقظ من دون حسابات فصائلية واقليمية ضيّقة، تستيقظ على لحنِ مسيرات مليونيّة للعودة طارِدة العَفَن السياسي العربي والفلسطيني الممتد من الخليج إلى المحيط، هنا لا نمتلك سوى الانحناء احتراماً والتحية لهذا الشعب الفلسطيني المُعلّم والذي لا يفتأ كل يوم يُعلّمنا دروساً جديدة في الثورة والمقاومة. دروس ممتدة لمائة عام خلت منذ زرع وعد بلفور هذا الكيان الصهيوني في أطهر وأقدس أرض عربية عام 1917 في فلسطين.
ما نمتلكه اليوم هو إعادة تأكيد لقِيَم ومعنى المقاومة في ضوء هذا الشكل الجديد المُبدِع من أشكالها شكل مسيرات العودة المليونية والتي انطلقت يوم 14/5/2018 أي الإثنين الماضي، لتخلّف عشرات الشهداء ومئات الجرحي.. ولتستمر لأيامٍ أخرى، دافعة الدم من شرايين أبنائها الكبار. ماذا تعني المقاومة إن لم تكن هي هذا الفعل النبيل والتاريخي ولماذا يشوّش نفرٌ من مثقّفي وسياسيي وإعلاميي الأمّة العجزة عليه، ويعتبرونه فعل مليشيات فلسطينية تعمل لصالح إيران وبرنامجها النووي، في خَبَل سياسي وثقافي واضح لا يُتقنه عادة إلا هذه النوعية من مُثقّفي النفط وتابيعهم وتابعي التابعين بغير إحسان؟
أولاً وفي البداية دعونا نخبر ونعلم هذا الصنف من المُثقّفين المهزومين من داخلهم، إن ثمة فوارق أثبتها التاريخ الإنساني بين المقاومة والإرهاب وبين حركات التحرّر وبين المليشيات التي تعمل وفق أجندة ومصالح ضيّقة، يُحدّثنا التاريخ أنه للتمييز بين حركات التحرّر الوطني “المقاومة” وحركات التمرّد “الميليشيات”، اشترط القانون الدولي عدّة شروط لتتحوّل الحركة المقاومة إلى “حركة تحرّر وطني” تتمتّع بالحقوق المذكورة:
1- أن تكون تلك الحركات تُحارب سلطة احتلال، أي واقعة فعلياً تحت الاحتلال، وأن يكون هدفها تحرير أوطانها من الاحتلال، وتقرير مصير شعوبها المقهورة. وإلا عُدّت حركات متمرّدة، ووُصِف أعضاؤها بالمُتمرّدين.
2 – أن تكون معظم فصائل المقاومة المسلّحة منضوية تحت إطار جبهة وطنية موحّدة مُستكمِلة لمنظومة القيادة والسيطرة، إضافة إلى بقية المقومات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية. وأن تشترك في تلك الجبهة معظم القوى والهيئات والشخصيات والأحزاب بغضّ النظر عن الاعتبارات الطائفية والعرقية.
3 – تعرض هذه الجبهة برنامجاً ومنهاجاً سياسياً واقعياً يحمل في طيّاته مشروعاً نهضوياً مُتكاملاً لبناء الدولة المستقلّة والحديثة.
4 – تحظى هذه الجبهة ومشروعها السياسي برضا والتفاف معظم شرائح الشعب الذي تناضل من أجل حريته واستقلاله وسيادته.
ومثلما يمثّل “الجهاد” مفهوماً عاماً، مُتعدّد الصوَر والمجالات: السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية، فإن “المقاومة ” كمُصطلَح بديل، تكتسب نفس الأبعاد والمجالات، وتعمل في الفضاء نفسه، وتتعدّد صوَرها وأنواعها، فنجد: المقاومة السياسية، والمقاومة العسكرية، والمقاومة الاقتصادية، والمقاومة الثقافية، وغيرها من صوَر المقاومة.
والسؤال الآن: هل ما يجري في فلسطين اليوم من شعبها وحركات مقاومتها، يخرج عن هذا التعريف أم أنه في صُلبه وأساسه؟ الإجابة هي قطعاً في صُلب المقاومة وأساسها وما مسيرات العودة إلا أحد أبرز تجليّاتها الجديدة والمهمة.
ثانياً: أما عن معيار التمييز بين المقاومة والإرهاب خاصة بعد قيام بعض مُثقّفي وسياسيي البترودولار بتسمية المقاومة الفلسطينية ومسيرات عودتها، التي نعيش على وقعها اليوم، بالإرهاب فإن تاريخ التجارب الإنسانية في المقاومة والثورات يُنبئنا بأن منطلق التمييز بين المقاوِم والإرهابي، هو تمييز الدوافع التي تحرِّك كلاً منهما، والاتجاه الذي يوجّه فيه عمله، فالمقاومة هي ردّ الفعل المُلازِم للاحتلال، طوال التاريخ الإنساني، لم يكن احتلال إلا ومعه مقاومة، أما الإرهاب فله أسباب ودوافع أخرى:
ـ المقاومة هي في صالح الشعب والوطن، أما الإرهاب فلصالح القائمين به وإن هدّدوا كل مصالح الشعب والوطن.
ـ المقاومة تتوجّه نحو المُحتل وأعوانه، وتتجنّب ما أمكنها إصابة شعبها وممتلكاته بأية خسائر، أما الإرهاب فيتوجّه للأفراد والهيئات والأماكن التي يرى الإرهابي أن استهدافها يخدم مخطّطاته، من دون أي اعتبار آخر.
ـ المقاومة يقوم بها وطنيون أصحاب قضية، وعلى أساس قضيتهم يقيمون تحالفاتهم وعلاقاتهم، أما الإرهاب فيقوم به أصحاب مصلحة، وعلى أساسها يبنون تحالفاتهم وعلاقاتهم.
ـ المقاومة تحظى بالتأييد الشعبي، وتجد احتياطيها البشري واللوجستي لدى الشعب، ويزداد التأييد لها بنجاحها وقوّة ضرباتها، أما الإرهاب فكلما زادت ضرباته وقوّته، اتّسع العداء الشعبي له، وقلّ أنصاره.
ـ المقاومة لا يمكن لأعدائها القضاء عليها نهائياً، بل تتواصل أجيالها، وتزداد مع الزمن قوّة وحِكمة، وتنتهي في النهاية إلى نصرٍ وزوال الاحتلال، ولا تأثير كبير لاختلال موازين القوّة بينها وبين خصمها، أما الإرهاب فبقاؤه رهن بقوّته وضعف خصمه، وإن فقدَ قوّته قُضيَ عليه وانتهى.
ثالثاً: ولأن دُعاة وصف حركات المقاومة بالإرهاب لم يعودوا فقط من الصهاينة والأميركان، بل صاروا من العرب أيضاً ومن مسلمين يُدعَون حُماة الكعبة والمقدّسات الإسلامية. ومع ذلك يصفون مسيرات العودة والمقاومة الفلسطينية بالإرهاب. هؤلاء من المفيد أن نقول لهم إن الشرع والإسلام الذي يدّعون الانتماء إليه، إن الفقه والتاريخ ينبئنا أن الفارق كبير بين مُصطلحيّ المقاومة والإرهاب في الشرع الإسلامي، فالمقاومة، هي تطبيق لجهاد الدفع، وجهاد الدفع في الشرع هو فرض عين على كل مُكلّف، لا يُعفى منه شيخ ولا امرأة ولا صاحب إعاقة. ومن هنا فالمقاومة، بجانب فرضيّتها الوطنية، هي واجب شرعي لا يُرخَّص لأحد في التخلّف عنه أو التهاون فيه، ومَن يفعل ذلك يأثم أشدّ الإثم، ويبوء بغضب الله عليه.
وإذا كان الإرهاب مُصطلحاً عصرياً، وافِداً من الغرب، فقد عرف الفقه الإسلامي صورتين من الجرائم التي يمكن أن تندرجا تحت مفهوم الإرهاب الحديث، ونعني بهما جريمتي: البغي والحرابة.
والبغي هو الخروج على الحاكم بالقوّة المسلّحة، وما يستتبعه ذلك من خروج على الشرعية والقانون، وخرق النظام العام، والتمرّد على السلطة القائمة، كما فعل الخوارج في عهد الإمام علي بن أبي طالب.
وقد فرَّق بعض الفقهاء بين البغي المشروع في حال الخروج على الحاكم الظالم، وبين البغي غير المشروع في حال الحاكم العادل، وعلى هذا فيمكن اعتبار البغي غير المشروع لوناً من ألوان الإرهاب، إن ترتّبت عليه نتائج الأعمال الإرهابية المُعاصِرة.
أما الحرابة، فهي المذكورة في قوله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33 ) ” (المائدة : 33)، وقد فسَّر الفقهاء المحاربة والفساد المذكورين بالآية بأنهما قطع الطريق على المسلمين، وسلب أموالهم.
**ترى هل يفعل الصهاينة في فلسطين إلا هذا الإرهاب والبغي والحرابة
والذبح الذي يستوجب المقاومة بكل أشكالها بما فيه الشكل الجديد الذي نعيشه اليوم وهو مسيرات العودة وهي مسيرات كما رأينا ولازلنا نرى “لأننا نكتب هذه الكلمات على وقع المسيرات والدماء في فلسطين وعلى وقع الصمت الرسمي العربي رغم نقل الأميركان لسفارتهم في نفس توقيت المسيرات المليونية“.
إن هذه المقاومة الفلسطينية كان ولايزال هدفها دفع الإجرام الصهيوني بعيداً عن المقدّسات وهدفها إحقاق الحق لأهله بإعادتهم إلى أرضهم المُغتصَبة، وهدفها قبل هذا وبعده حماية الإسلام ذاته والذي تتعرّض قِيَمه ورموزه في فلسطين إلى التهويد والأسرَلة… إن مَن لا يُدرك القيمة الكبيرة والرائعة لمسيرات العودة المليونية من مثقّفي وسياسيي البترودولار.. لا يستحق أن يكون عربياً بل ولا حتى أن يكون إنساناً طبيعياً يرى الباطل يرتفع أمامه فلا يقول له: لا ولا يصدح بالحق ويُنافح عن أهله والله أعلم.