بقلم غالب قنديل

أوروبا والاتفاق النووي

غالب قنديل

أطلقت إيران حملة اتصالات دبلوماسية مع الشركاء الدوليين في الاتفاق النووي الذي كرس مبدئيا حقوقها النووية السلمية وحررها نظريا من العقوبات التي تطوقها اقتصاديا ومصرفيا والغاية بالذات هي استشراف معالم مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق.

ظهرت وبقوة صورة الموقف الموحد بين إيران وروسيا والصين بعد لقاءات الوزير جواد ظريف بينما أعلن في موسكو عن توجه مجموعة الدولة المستقلة بزعامة روسيا لتطوير علاقاتها التجارية مع إيران ويمكن القول إن الشراكة الإيرانية مع الصين تشمل مجالات عديدة وتطلعات مشتركة ومستقبلية تتعدى النطاق الثنائي إلى مشروع طريق الحرير في الشرق الواسع.

تمسكت كل من الصين وروسيا بالاتفاق بينما تقود موسكو جهودا معلنة لتشجيع الثلاثي الأوروبي ولاسيما ألمانيا على السير في تنفيذ الاتفاق ومعاكسة المشيئة الأميركية المعلنة وقد واكبت لقاءات الوزير ظريف بنظرائه من فرنسا وبريطانيا وألمانيا تصريحات اوروبية صريحة عن مصالح شركات كبرى من الدول الثلاث مرتبطة بعقود ومشاريع وتطلعات اقتصادية في العلاقة مع إيران تحاصرها العقوبات الأميركية المعلنة التي اتخذها الرئيس ترامب بعد سحب التوقيع الأميركي.

تراوحت المواقف الاوروبية بين الصيحات الفرنسية المعارضة للقيود الأميركية والتي بلغت حد الكلام عن رفض الخضوع للإملاءات والتحرر من التبعية للولايات المتحدة كما صرخ وزير الخارجية الفرنسية الذي تخطى براديكاليته الخطابية نبرة الاحتجاج البريطانية ودعوات الهدوء الألمانية لمعالجة الوضع بروية وينبغي في هذا المجال النظر بعين مفتوحة إلى احتمالات تطور الموقف الأوروبي الذي تميز في العشرين عاما الماضية بالخضوع الكلي للقرار الأميركي.

سبق ان اطلقت الولايات المتحدة قبل حوالي عشرين عاما حملة دبلوماسية وسياسية صارمة ألزمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا بتعليق كل أشكال التعاون والاستثمار المشترك مع إيران في جميع القطاعات الاقتصادية وهو ما أذعن له الأوروبيون وانصاعوا له رغم ما لحقهم من ضرر جسيم وكانت الخسائر الفرنسية كبيرة جدا تليها البريطانية والألمانية ويومها علقت شركة توتال الفرنسية اتفاقات بمليارات الدولارات واوقفت مشاريعها الضخمة في تطوير حقول النفط والغاز الإيرانية.

تهافت رجال الأعمال من الدول الثلاث إلى طهران بمجرد توقيع الاتفاق النووي لاستطلاع فرص العمل من جديد وراجت آمال اوروبية عريضة حول المجالات المتاحة لاسيما في قطاع النفط والغاز وتقنيات الأنابيب والمصافي وقطاعات التكنولوجيا المتقدمة لصناعة التعدين وفي صناعات اخرى استهلاكية سبق ان جرى العمل عليها مع إيران إضافة إلى صفقات ضخمة في قطاع النقل الجوي.

يأتي اختبار الموقف من الاتفاق النووي الإيراني مباشرة بعد تجربة العقوبات الأميركية على روسيا والتي انصاع لها الأوروبيون على الرغم من الأذى الجسيم الذي ألحقته بشركاتهم ومصالحهم الضخمة لاسيما بالنسبة لألمانيا التي يقدر الخبراء استثماراتها الروسية بخمسمئة مليار يورو.

أعلن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أن التفاوض الأوروبي مع إيران سيكون خلال الأشهر المتاحة في مهلة ترامب حول مواضيع لاتتعلق فعليا بالاتفاق النووي ولا حتى حول صناعة الصواريخ الباليستية الإيرانية التي أدرجتها الولايات المتحدة في قائمة الأهداف بل حول دور إيران في سورية والعراق واليمن وهي قائمة سعودية إسرائيلية أصلا.

يصطدم الرهان الأوروبي على انتزاع تنازلات من إيران ترضي الولايات المتحدة وتعيدها إلى اتفاق الملف النووي بتصميم طهران المبدئي على رفض ربط الحقوق النووية بأي ملف إقليمي وهو ما سبق اختبار المساومة عليه في التفاوض حول الاتفاق النووي تحت وابل صيحات الحرب والتهديد وإشعال الحرائق وهكذا جاء الاتفاق النووي مجردا من أي تفاهمات تطال قضية فلسطين حيث حلم الصهاينة باعتراف إيراني بكيانهم تفرضه المساومة الأميركية بإغراءاتها او حول الوضع في أي من الدول الثلاث التي سماها ماكرون وتتحصن إيران بدقة التزامها بالاتفاق وفقا لشهادة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية رغم الضغوط الأميركية والصهيونية المتصاعدة على الوكالة التي تسعى روسيا لحثها على مواصلة التعاون المتوازن بعيدا عن الضغوط.

تضيق هوامش المناورة الأوروبية بينما تتبع إيران وشريكاها الروسي والصيني نهجا يقدم الحوافز مقابل العقوبات والتهديدات الأميركية فهل تتمرد اوروبا على خنوعها امام السيد الأميركي ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى