السياق الفلسطيني سيحكم المنطقة فانتظروا: ناصر قنديل
– الذين يتوقعون أنّ المواجهة التي افتتحها الشعب الفلسطيني بلا أفق وأنّ التضحيات السخية التي يقدّمها مجانية لا ينتبه إلى الحقيقة التي تقولها روحية اليومين الماضيين بقوة، وهي أنّ الأميركي والإسرائيلي يصلان منهكين عابسين قلقين بلا أفق مفتوح أمامهما، رغم الحشد العربي الذليل المصطفّ خلفهما والملفات المعقدة تسدّ طريقهما على كلّ مساحة المنطقة، بينما يحشد الشعب الفلسطيني كلّ حيويته كأنه في اليوم الأول للمواجهة وليس في عامها السبعين .
– الانعطاف المتطرّف للإدارة الأميركية كان مقرّراً منذ زمن، لكنه مشروط بلحظة انتصار أميركي إسرائيلي خليجي في لبنان وسورية واليمن والعراق وإيران ووضع مفكّك وضائع ومكسور يصير فيه تسويق صفقة القرن كأفضل الممكن، ولكن الاتجاه إليها الآن يجري يأساً من تغيير المعادلات واضطراراً لكشف المستور فتسقط لغة التفاوض وتسقط معها فرص التسويات، ويصير جلب عرب أميركا إلى بيت الطاعة الإسرائيلي بقوة بحثهم عن حماية عروشهم المهدّدة رغم ظاهر البطش والاستبداد وما يوحي به من القوة. وهذا يعني عملياً سقوط خيار التفاوض الذي جمّد خيار المقاومة لعقود بوهم التسوية المفترضة التي ما عادت مطروحة على جدول الأعمال اليوم. ومع هذا السقوط تعود فلسطين لخيار المواجهة، لتسقط أهمّ ما يظنّ الأميركي والإسرائيلي والخليجي أنها إنجازات العقد الأخير، لجهة التفتيت المذهبي والتلاعب بالهوية، لتصير الاصطفافات مجدداً تحت عنوان مَن مع فلسطين ومَن مع «إسرائيل»؟
– المستهدَف كان جمهور العرب الذي يظنّ حكام الخليج ومِن خلفهم أميركا و«إسرائيل» والكتبة المستلحقون بهم، أنّ عملية غسل الدماغ التي تمّت له قد أدّت نتائجها بتحويله كتلاً مذهبية عصبية نسيت فلسطين، منذ الربيع العربي، لكنهم يستعجلون، فالتأني بالقراءة لما قالته الانتخابات في لبنان، يوصل لنتيجة معاكسة. لقد زالت الغيمة السوداء التي عبثت بمزاج السنّة العرب تحت عنوان المذهبية، وها هو رمز التطرّف فيها لبنانياً يفشل بحجز مقعده الشخصي بعدما حصد قبل عامين كلّ مقاعد بلدية طرابلس، ومَن غادروا خيار تيار المستقبل، لم يذهبوا للتطرف بل عادوا للخيار القومي العربي المتحالف مع المقاومة وسورية من صيدا وما يمثل أسامة سعد إلى البقاع الغربي وما يمثل عبد الرحيم مراد وصولاً إلى طرابلس وما يمثل فيصل كرامي وجهاد الصمد وانتهاء ببيروت وما تمثل جمعية المشاريع الإسلامية.
– قبل الحديث عن لحظة تحوّل مقبلة ولو بعد حين للمواجهة إلى انتفاضة شاملة لكلّ فلسطين أو عن دخول المقاومة المسلحة على خطها سيحضر الشتات الفلسطيني وبقوة على خط المواجهة الشعبية، وسنشهد من لبنان والأردن وسورية ومصر حشوداً عربية إسلامية تلاقي الفلسطينيين، وسنشهد من خلف البحار حشوداً في البحر تركب سفن العودة وتعتصم في مياه فلسطين تواجه قنابل الغاز والرصاص ومعها أحرار من العالم وإعلام حر يواكبها، والموقف الحكومي في عدد من بلدان أوروبا خير شاهد على التحوّل الذي تحدثه فلسطين في الرأي العام الغربي، بعكس ما ترغب أميركا و«إسرائيل».
– «إسرائيل» رغم الدعم الأميركي والخليجي تتهيّب حرباً على غزة، فكيف عندما تصير حدودها مع لبنان وسورية والأردن ولاحقاً مصر خطوط مواجهة يحتشد عليها عشرات ومئات الآلاف من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين يزداد عديدهم وترتقي نوعية مواجهتهم يوماً بعد يوم؟ وماذا عساها تفعل وهي تعلم أنّ طريق الحرب مقفلة بقوة موازين الردع الثابتة والمتعاظمة؟
– المأزق الإسرائيلي الأميركي الخليجي هو أنّ الصراع في فلسطين وحولها سيطغى على ما عداه في المنطقة والعالم، وأنّ التعايش مع استحقاقاته يعني التآكل في قوة هذا المثلث الأسود، وحيث الذهاب للحرب يعني الكارثة، بينما معسكر المقاومة مدد للمواجهة في صيغتها الحالية المتنامية وجهوزية لحرب قد تصير استحقاقاً مقبلاً.
– هذا معنى قول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل شهور، تكاد الحروب تنتهي في المنطقة، وسنعود إلى الأولوية التي لم نغادرها يوماً، والأولوية دائماً هي فلسطين.