فلتسقط واقعية الوهم فهي النكبة
غالب قنديل
منذ بدء موجات الهجرة والاستيطان في فلسطين تولت القوى الرجعية العربية تعميم الوهم حول التحركات الممكنة عربيا ودوليا باسم قضية فلسطين وشعب فلسطين وتراكم في هذا السياق نهج سياسي اعتنقته قيادات فلسطينية متلاحقة باسم الواقعية وفي سبيل تحاشي الصدام مع القوى العالمية القاهرة الداعمة للحركة الصهيونية .
اعتنقت تلك القيادات انماطا متلاحقة من التكيف والتراجع حتى بلغت مؤخرا حد اعتبار قضية الاستعمار الصهيوني لفلسطين مسألة مطلبية تتعلق حصرا بتحسين شروط الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال وتقديمها كمجرد قضية حقوق إنسان وظهرت انماط متفاوتة لهذا النوع من الفهم المطلبي السفيه والقاصر في الأقاليم الفلسطينية الثلاثة.
في الأرض المحتلة عام 1948 جاءت عملية مسخ قضية التحرر الوطني مبنية على التسليم بوجود الكيان الصهيوني الاستيطاني وبأزليته على أرض فلسطين وعبرت عن نفسها بمطالب “المواطنة ” أي التطلع لدمج الفلسطيني بالكيان والدعوة لاكتسابه حقوقا موازية لمكتسبات الغاصبين.
يطنب بعض أصحاب هذا الاتجاه المبني على تزوير فظ للتاريخ والهوية في الكلام عن التمييز العنصري لنسج غلاف ثقافي يجذب الجمهور ويخاطب الخارج ويستر حقيقة انهم يروجون للتخلي عن الهوية الوطنية والقومية حتى لو تمسكوا بها لفظيا وما تعويل هذا الاتجاه المتكيف مع الاستعمار الصهيوني على اكتساب مقاعد في الكنيست سوى تعبير فظ عن خصي القضية وبعدها الوطني التحرري وإطارها القومي الأشمل بوصفها قضية تحرير شامل للأمة العربية من براثن الاحتلال والهيمنة الغربية.
برهنت التجارب ان هوامش الوهم المتخيل في هذه الخيارات بمختلف منوعاتها اليسارية والإسلامية قابلة للتوظيف في خدمة العدو الاستعماري الصهيوني الرجعي كما كشفت فصول العدوان على سورية ولم تنج من ذلك التعفن داخل فلسطين المحتلة سوى قلة عروبية مقاومة وتحررية تعرضت للاضطهاد والتنكيل من جانب العدو ومن أشقاء ورفاق درب مفترضين لأنها اظهرت وعيا وصلابة وجاهرت بموقفها القومي والتحرري ولم تقع في حبائل أفخاخ الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وكانت سورية هي الفيصل.
في الضفة الغربية المحتلة سادت نظريات التسوية مع العدو منذ روابط القرى والبلديات وتوسعت بالوهم التسووي رهانات قيادة منظمة التحرير على اتفاقات تحت رعاية الولايات المتحدة خصوصا منذ اتفاقات اوسلو وتحولت سلطة الوهم في رام الله إلى جهاز تنسيق امني لحماية الاحتلال الصهيوني من غضبة الشباب الثائر.
استثمرت قيادة نهج الاستسلام ادوات الترويج لواقعية الوهم بكل إمكاناتها واستعانت بالرجعية العربية وبجميع ادواتها لتخلق نزعة يأس واستسلام “شعبية” تستند إليها وهي انطلقت من نزع الصفة القومية عن قضية فلسطين منذ معركتها المشبوهة ضد الزعيم جمال عبد الناصر لتحول العصبية الإقليمية إلى رصيد تسخره انتهازيا في علاقاتها ومساوماتها التي انتهت بالتنازلات التي لاقعر لها وما تزال أسيرة منطقها ونهجها دون أي مراجعة حقيقية رغم الوقائع الصارخة والخيارات البديلة المتاحة بالانتقال الممكن إلى التحالف الواضح مع محور المقاومة وتبني توجه في العلاقات الدولية ومرجعيات الدبلوماسية الفاعلة بعيدا عن وهم الدويلة وبالعودة إلى خيار المقاومة واعتناق فكرة التحرر الوطني الكامل الذي ينبذ كل تفريط بحبة تراب فلسطينية بين النهر والبحر.
اما في قطاع غزة الذي تريد الحركة الصهيونية جعله اليوم مشروع الكيان الفلسطيني الممسوخ الذي تقبل الاعتراف به لتكرس تصفية قضية فلسطين وفي احسن الأحوال عقد صفقة تضيف إليه بعضا من أرض سيناء العربية فالقيادة السياسية التي تقود القطاع تلعب على الحبال في خياراتها بعدما كشفت الأحداث ارتباطها بمحور تركيا وقطر الرجعي التابع على حساب قضية فلسطين وهو ما ورطها في العدوان على سورية وما تزال بقايا أذرعها عالقة في نهج استهداف ركن محور المقاومة ومركزه الإقليمي رغم سعيها الانتهازي لمسايرة الموقف الإيراني بقصد الحصول على مصدر بديل للدعم المادي الذي حجبته عنها المشيئة الأميركية بهدف إلحاقها بصفقة القرن المشؤومة تحت وصاية مصرية تركية قطرية.
هل هذا كل شيء ؟ طبعا لا ففي المشهد الفلسطيني شعب بطل لا يبخل بالدماء يثبت يوميا انه يقظ ومتمسك بوطنه وهو اكتشف بالتجربة ان قضيته ليست امرا مطلبيا يتعلق بحقوق لتحسين عيشه تحت الاحتلال بل هي قضية تحرر وطني تعني المنطقة بأسرها مع اتجاه اطراف المثلث الصهيوني الرجعي الاستعماري لتوحيد الجهود في اخطر فصول تصفية القضية التي تختصر فكرة الهيمنة الاستعمارية على الوطن العربي برمته ومن يتعامل مع القضية على انها قضية الفلسطينيين بمفردهم لن يجد السبيل الحقيقي للتحرير وهو ما اهتدى إليه المقاومون الشجعان في لبنان وسورية والعراق واليمن الذين يعتنقون فلسطين ويقدمون التضحيات والدماء في مجابهة الكيان الاستعماري الصهيوني وحلفائه في الغرب والخليج وسائر البلاد العربية المجد للشهداء وللمقاومين المبادرين في فلسطين وحولها والخزي لكل صانعي الخيبة وتجار الردة.