اليوم صارت القدس عاصمة “لإسرائيل”؟ البروفسور نسيم الخوري
كان العروبة تعني بشكلٍ ما الإسلام. لم تكن المسافة بينهما موجودة إلاّ لدى بعض العرب غير المسلمين الذين إمتلكوا اللغة العربية وحافظوا عليها من التتريك العثماني أوالغزوات الإستعمارية. سبب مباشر دفعني إلى هذا هو دهشة بعض المغاربة، خلال زيارة علمية قصيرة الى هناك، من تكلّمي معهم بالعربية مع أنني عربي غير مسلم. كنت أفهم لعقودٍ خلت أنّ الجزائري أو التونسي أو المغربي لا يصدّق أحداً غير مسلم يتكلّم العربيّة ويكتبها، وتلك مسألة عرفناها طلاّباً في فرنسا كان يمكن فهمها فهمها بإحتلال فرنسا لتلك البلدان إلى حد سحب شرايين العربية من الألسن والأذهان، وكنت أتصوّر أن هذه المسألة قد إختفت. ليس مهماً، لكن العروبة والإسلام بقيا متلازمين. كان صاحب كلّ فكرةٍ جريئة أو بحثٍ يجادل في مسائل التطوير والتغيير يتجاهل أو لا يدرك تأثير الإستراتيجيات الخطيرة التي رسمت أساساً لهذه المنطقة الغنية من العالم وفي رأسها فلسطين التي طمست التميّز جهراً بين العربي والمسلم. أقول جهراً لأنّ جماعات أخرى إعتبرت نفسها سرّاً غير عربية. كانت الثقافة السائدة ترتكز إلى الإسلام كمرادفٍ أو حاضنٍ للعروبة والعربيّة يتكاملان من دون أن يعني ذلك إنتقاصاً من أدوار الأقليّات العربيّة الإتنيّة والدينيّة.
لكن لنلاحظ معاً أن تفكيكاُ أو مسافة تقوى بين الأمرين لمصلحة الإسلام وكأنّ العروبة تكاد تسقط سياسياً أمام ظواهر الهجوم الهائل على المسلمين بتثويرهم وإخضاعهم وإلهائهم بعداواتهم المتراكمة من داخل. وهنا لبّ المشكلة.
أذكّر بتلازم الحضارة الصناعية في الغرب مع إنبثاق فكرة القوميات التي إستوردناها كما/ومع السلع. بالمقابل كان التغيير الهائل جاهزاً تجلّى أساساً في تجربتين: تجربة أتاتورك ناسفة الحكم الإسلامي ودولة الخلافة من جذورها وتجربة الشاه الغربيّة الملامح والفكر في إيران. راح المسلمون والعرب يتطلّعون ويتنافسون نحو الغرب وبه لا مباشرةً بل عبر النافذتين التركية والإيرانية في تحولاتهما من الإسلامية إلى الإقتداء بالغرب. وحلّت المرحلة الثانية التي إزدهرت فيها الأحزابٍ العربيّة واليسارية والقومية والعلمانية وفشلت في التغيير الجذري وإصطدمت بالمسلمين. وأوكلت شؤون بعض الأنظمة العربية في مراحل متعددة إلى الضباط وقادة الجيوش وإصطدموا بالمسلمين أيضاً وعانت شعوبهم من الإنقلابات والبطش من داخل لكنها السلطات العسكرية أخفقت وإسقطت وتمّ نبذها من شعوبها بما فتح المكان العربي على مصراعيه مطالباً بالحريّات والتغيير.
كان لا بدّ في تقديري من البحث عن التغيير من داخل العقائد والأديان الإبحار في فهم الشقوق الكامنة في تاريخ عبرالإسلام والمسلمين. وهنا إشارة: أمامي أرشيف هائل عنوانه: فتون الغرب الغريب بالإسلام والمسلمين. ليس مجاله هنا.
هكذا حلّ التغيير العنيف من داخل عبر تونس وسورية مروراً بمصر وليبيا والعراق واليمن بما ينسحب على معظم الدول العربيّة والإسلامية وصولاً إلى ظهور داعش وإعلان دولة الخلافة الإسلامية ثمّ ذوبانها مثل الملح، في قرنٍ عربي إسلامي يضج بألعاب العولمة، وفورانٍ هائل لللاوعي الجمعي للأقليات التي تبعثرت في الأرض ناسفةً فكرة التنوع، لنعيش لأجيالٍ قادمة مرحلة الإنتقال العسير من الكبت القاسي المدروس الى الكفت الإرتجالي. إنّها مرحلة التغيير السلبي والعبث والتشويه من داخل. هي مرحلة طويلة في تفكيك العقائد والأديان.
ضجّت وسائل التواصل الإجتماعي بصرخة لصبية سورية. شذّبت مضمونها الفج إذ جاءت كصاروخ يحفر بين العروبة والإسلام جديرة باليقظة والتفكير:
” تكلّم معي بالمنطق فقط. العرب والمسلمون عايشين من 1400 سنة يتغنون بإنجازاتهم وإنتصاراتهم. يقولون إنظر صلاح الدين الأيوبي وخالد بن الوليد ماذا فعلوا. ماذا يعنيك أنت اليوم ماذا فعلوا. أنت اليوم ماذا تفعل؟ ماذا تنجز؟ ما هي الحضارة التي تقدّمها للعالم؟ أنت آخر مكوّن بشري يحق له التكلّم عن الإنجازات. نحن شرق أوسطيين والعرب مكون من مكوناتنا. لسنا عربا. العرب جزء من بلادنا. عندما دخل الإسلام كان هناك سريان وكنعانيين وفينيقيين وأشوريين وكلدان وعرب أين هم؟
“لا يمكنك إعادة الجبلة وتقول لي أنّني عربيّة. لا أريد الدخول معك بأنّك لا تستطيع النوم لأن القدس صارت عاصمة إسرائيل. الآن صارت القدس عاصمة إسرائيل؟ أمسموح لك الذهاب الى القدس أو كنيسة القيامة أو المسجد الأقصى؟ من زمان صارت القدس لإسرائيل. أنتم أمة نائمة مخدّرة. لا تصحون إلاّ عندما يكتبونها لكم بالخط العريض. طلع ترامب وقال لك بأنّ القدس صارت عاصمة إسرائيل. منذ أن دخل شارون ببوطه الى الأقصى صارت القدس عاصمة لإسرائيل ولم تفعلوا شيئاً أمة ضعيفة من زمان. تتغزّلون بأمجاد الماضي كما يتغزّل القوميون السوريون بأمجاد مستقبل علماني لن يطالوا حاضره“.