الخطاب الانتخابي لكلّ من حزب الله والمستقبل والتيار الوطني الحر: ناصر قنديل
– على مسافة أيام معدودة من الاستحقاق الانتخابي لم يعد في جعبة القوى التي تتصدر المشهد الانتخابي ما تخفيه للأيام المقبلة، وصار ممكناً تقييم الخطاب الانتخابي لهذه القوى، ورصد القيم المضافة فيه التي تستوعب ثغرات الحياة السياسية اللبنانية وتحدياتها من جهة، ونقاط الضعف التي تعبّر عن استجابة خارج السياق الديمقراطي للتنافس الانتخابي، واستثماراً على لغة غرائزية أو لعب بالعصبية واستنفاراً لما هو دون الاجتماع السياسي، وما قبل السياسة المدنية. وفي الصف الأول هنا تتقدّم ثلاثة أطراف مسرح التنافس، هي حزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل، بينما يقف الأقوياء الآخرون عند خطابهم التقليدي، ويستوي في هذا كل من حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية .
– يصف الكثيرون خطاب كل من القوى الثلاث، حزب الله والمستقبل والتيار الوطني الحر، بخطاب المقتضى الانتخابي، في ظرف حساس يريد كل منهم الخروج من الانتخابات بالبيضة الذهبية التي يعتقد أن تقدم مشروعه السياسي ومصير حضوره، يتوقفان عليها. فحزب الله يعتبر الانتخابات في عمق قراءته لها، اختباراً يريده أعداؤه الخارجيون والمتربّصون بمقاومته، وفي مقدّمتهم واشنطن وتل أبيب والرياض، لقياس مدى تأثير الحملات التحريضية والتشهيرية والعقابية التي استهدفته في تبديل وجهة خيارات نسبة معينة من بيئته الحاضنة، خصوصاً أنها الانتخابات الأولى التي تجري بعد سبع سنوات حرب في سورية، وبعد تصنيفه على لوائح عربية وغربية للإرهاب وعقوبات وصلت إلى إبعاد مئات الأسر من بلاد الاغتراب بتهمة العلاقة به، وملاحقة آلاف الحسابات المصرفية تحت هذا العنوان، ولهذا يخوض الحزب الانتخابات باعتبارها استفتاء، ويعلم أن إصراره على السير بقانون النسبية ربما يكون قد منح خصومه المحليين فرصة التلاعب بنتائج هذا الاستفتاء، وكيفية قراءتها، لكن أعداءه الخارجيين يُحسنون القراءة وسيراقبون بدقة حجم الأصوات التي ستنالها اللوائح التي يشارك فيها حزب الله ومقارنة هذا التصويت خصوصاً الشيعي منه، بما كان عليه الحال في الانتخابات الأخيرة، بمثل ما سيهتمّ هؤلاء بالحاصل النهائي للانتخابات في رسم التوازنات السياسية. أما تيار المستقبل، فالانتخابات استحقاق رئاسة الحكومة بمنع تشكيل كتلة من النواب السنة تشكل مدخلاً لترشيح منافس للمنصب الذي حمى رئيس تيار المستقبل من السجن السعودي بعباءة وطنية لبنانية تأسست على المنصب الدستوري، فيما ينطلق التيار الوطني الحرّ من معادلة أن آخر استحقاق يمكن خوضه بعد الفوز برئاسة الجمهورية لتكريس مكانته المسيحية تمهيداً لاستحقاقات لاحقة هي هذه الانتخابات التي يمنحها الربط بالعهد في معادلة هدفها ترجمة معنى أن العهد القوي يبدأ فعلياً مع أول مجلس نيابي منتخب في ظل الرئاسة القوية.
– يمكن اختصار شعارات الأحزاب الثلاثة بمعادلات هي، بالنسبة لحزب الله أن الانتخابات استفتاء على المقاومة، وهذا قريب جداً من الحقيقة، تكفي مراقبة تعامل وسائل الإعلام المناوئة للمقاومة مع الانتخابات للتحقق من صحتها، أما بالنسبة لتيار المستقبل فالشعار المكرّر هو أن الانتخابات هي مواجهة بين لبنان عربي أم فارسي، وهذه مغالاة ومبالغة، كي لا نقول إنها ليّ عنق الحقيقة بطريقة لا تتصل بالوقائع السياسية البسيطة، حيث يكون الكلام صحيحاً لو كان أن المنافسة بين لبنان في المحور السعودي أو الإيراني، أما العروبة التي تأسست على خطاب الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، خصوصاً لدى الجمهور الذي يشتغل المستقبل على تجييشه في بيروت وسواها من المحافظات، فقد قامت على المواجهة التي خاضها جمال عبد الناصر مع ثنائية إسرائيل والسعودية ومن خلفهما أميركا، وهو الثلاثي الذي ورث حزب الله مقاتلته وليس تيار المستقبل الذي يصطف وراء السعودية بلا مواربة، بينما لا مظهر ولا مبرّر لزجّ الفارسية في اللعبة إلا عنوة بلا مقدّمات. أما شعار التيار الوطني الحر وعنوانه العهد القوي، فهو يقارب حقيقة أن منح العهد هوامش القوة يصنع في حجم التأييد النيابي الذي يلقاه، لكن الحقيقة هنا هي أن دعم العهد نيابياً ليس متأتياً من كتلة التيار الوطني الحر حصراً، بل من كتل ستتشكل من منافسين انتخابياً كحال مرشح حزب الله في جبيل كسروان، وبالمقابل لا تملك كتلة التيار الوطني الحر مهما بلغ حجمها تأمين عهد قوي بمفردها، بينما تجعل المواجهة مع منافسيها تحت هذا العنوان وهي تدرك أن العهد قوي كفاية بحجم يكبر أو يصغر لكتلة التيار، حيث المقاعد التي ينافس عليها لن تغيّر بحجم قوة العهد.
– في توصيف المنافسين يقول كثيرون إن الأطراف الثلاثة متساوون في خطاب الاتهام وصولاً للتخوين لمن ينافسهم. والتدقيق ينفي هذا الانطباع، فقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إن تيار المستقبل والقوات اللبنانية وقفا يبرران للجماعات المسلحة في عرسال والجرود اللبنانية ويصفونها بالثوار ويمنعان قرار الحسم العسكري معها بذرائع عديدة، هو توصيف موضوعي تؤكّده الوقائع، ولا ينسى ما لقيه وزير الدفاع السابق فايز غصن من نواب الفريقين يوم خرج يقول إن تنظيم القاعدة موجود في عرسال والجرود. وكذلك القول إن مَن يحالف هذين الفريقين لا يحق له القول إنه من معكسر المقاومة ومشكلته معها إنمائية صحيح، لأن ما يقوم به هؤلاء هو اصطفاف سياسي في خندق قضيته إضعاف المقاومة ومحاصرتها. ومحاباة جمهور المقاومة لتمويه الأمر لاعتبارات انتخابية لا يغير من هذه الحقيقة. أما توصيف تيار المستقبل لمنافسيه في طائفته وغالبهم لا يشارك حزب الله رؤيته ومواقفه، كحال الرئيس نجيب ميقاتي ومرشحي لوائح بيروت غير المتحالفين مع حزب الله، بأنهم مجرد جزء من لعبة إضعافه لحساب حزب الله، توصيف عصبي انفعالي يريد تعقيم الحياة السياسية. أما المقاربة الموازية للتيار الوطني الحر تجاه المنافسين على قاعدة اتهام الخصوم بإضعاف العهد ففيها من المبالغة ما ينفيه مجرد التدقيق بالتنافس الذي يخوضه التيار في بعلبك ومرجعيون بالتحالف مع تيار المستقبل بوجه حزب الله. وهو يعلم مَن منهما أقرب للعهد، بينما يخوض حزب الله التنافس في جبيل من موقع واحد مع التيار تجاه العهد.
– في القيم المضافة للخطاب الانتخابي كان واضحاً أن الرئيس سعد الحريري أراد أن يجعل المؤتمرات الدولية التي سبقت حملته الانتخابية منصة لوعود اقتصادية، ضاع بريقها مع فضيحة الشروط السياسية بخصوص ملف النازحين التي ظهرت في مؤتمر بروكسل وفرضت عليه الصمت، بينما يؤسس التيار الوطني الحر مضمون القيمة المضافة لخطابه على التوجه الاغترابي باعتبار أن سائر البنود الداخلية في برنامجه الانتخابي لم تتحوّل قيمة مضافة حاضرة بقوة. وفي هذا المجال يستطيع التيار القول إنه أصاب الهدف سواء بالفوز بالانتخاب الاغترابي كمبدأ وفرصة تتاح قانوناً للمرة الأولى قام التيار ورئيسه بخوض معركة فرضها، أو بالنجاح في إدارة هذه العملية عبر وزارة الخارجية التي يتولاها رئيس التيار، لكن تبقى القيمة المضافة الحقيقية التي ستطبع الحياة السياسية ما بعد الانتخابات هي التعهّد الذي قطعه حزب الله على نفسه وعلى لسان أمينه العام لجهة جعل مكافحة الفساد أولويته الأولى.
– تأتي الانتخابات لتقول في النهاية مدى تأثير هذه المعايير في النظر للخطاب الانتخابي للأطراف المعنية، من خلال تفاعل الناخبين معها وكيفية هذا التفاعل واتجاهه.