التسوية الكورية وقمة الآسيان أحمد مصطفى
لن نضيع وقتنا في زيارة بومبيو وزير الخارجية الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية وإسرائيل وبياناته الحمقاء حول الاتفاق النووي الإيراني مع دول 5 + 1 ، لأننا كخبراء في العلاقات الدولية ندرك أنه ربما حصل على بعض الهدايا الثمينة أو المال من نظيره السعودي عادل الجبير ليقول ذلك .
لأن هذه الاتفاقية مدعومة ومصدقة من قبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وحتى لو كانت هناك بعض المفاوضات الثلاثية التي أجرتها المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بشأن برنامج الصواريخ الإيرانية التي لا تمثل جزءا من الاتفاقية، فهي فقط للاستهلاك الإعلامي، حيث أن الشركات متعددة الجنسيات الفرنسية والألمانية سوف لن تسمح أبداً بحدوث ذلك.
بخلاف ذلك، سيكون من حق إيران وفقا للقانون الدولي التخلي عن الاتفاق وكذلك أنها أصبحت قادرة ومن الغد على إنتاج أسلحة نووية من أجل الردع، كما يفعل الكيان الصهيوني/إسرائيل دون مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع الأخذ في الاعتبار أن إيران تعد جزءا من معاهدة حظر الانتشار النووي منذ سبعينيات القرن الماضى، في حين أن إسرائيل حتى الآن ليست كذلك.
من الواضح أن السعودية توافق على نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس وبيع القدس إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لكننا لن نتوقف أبداً عن جهدنا لإجهاض هذه المبادرة الصهيونية على الإطلاق، وكما نرى يقدم شبابنا الفلسطينيون نموذجًا مثاليًا للمقاومة في مسيرات العودة كل جمعة.
وأود إخبار كل من “السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر” بأن الدول التي تتغطى بالولايات المتحدة ليست فقط عارية، ولكنها مفضوحة وسيقودنا هذا الموضوع إلى الجزء الأول من هذا المقال، وهو التسوية الكورية الكورية، وعلى عكس كل ما ورد في وسائل الإعلام الغربية فيما يخص سبب التسوية بين الكوريتين.
كان لدي تحليلي الخاص، وناقشته من قبل مع صديقي العزيز، مقدم البرنامج النجم التلفزيوني الروسي آرتيوم كابشوك – أن الصين وروسيا كانتا السبب الرئيسي لمثل هذه التسوية، فالدبلوماسية السياسية الروسية القوية مهدت الطريق لكوريا الشمالية مع كل من كوريا الجنوبية واليابان وكذلك المواقف الروسية القوية في مجلس الأمن الدولي، والمحادثات التي دارت خلال الخمسة أشهر الماضية مع كلي البلدين.
من ناحية أخرى، صرح الرئيس الأمريكي ترامب أنه سيفرض تعريفة جديدة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة خاصة بواردات الحديد والألمنيوم من الصين، ولكن كانت إحد المناورات الست القوية التي لدى الصين ضد الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل فى تغيير موقفها تجاه كوريا الشمالية وتركها تقوم بإجراء المزيد من التجارب النووية وإطلاق المزيد من الصواريخ النووية، الأمر الذي سيتسبب في تحمل كل من كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية المزيد من النفقات التي لا يمكنها تحملها في المستقبل، حيث أن الولايات المتحدة تعاني من عجز في الميزان المحلي بقيمة 1 تريليون دولار أمريكي، ولا تعرف الإدارة الأمريكية من أين ستحصل عليها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن كوريا الجنوبية واليابان لن تتحملا مزيدًا من الاضطرابات، حيث تواجهان أيضًا المزيد من المشاكل الاقتصادية المحلية والممثلة في فساد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، وكذلك عجز الموازنة الداخلى، حيث سيضطر آبي إلى مضاعفة الضرائب لإصلاح الاقتصاد الياباني، نتيجة للمعاشات التقاعدية التي تعطى لكبار السن وهي تمثل ضعف الإيرادات الحكومية، وأخيرا انخفاض معدل المواليد في اليابان مقارنة مع الصين التي أعطت منذ 3 سنوات حوافز لولادة الطفل الثاني لئلا تتعرض لنفس مصير اليابان.
نحن نعرف كخبراء أن كوريا الشمالية في هذا الوقت قد وصلت بالفعل واستكشفت أسرار معرفة التجربة النووية، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى أي محاولة لإجراء مثل هذه التجارب النووية مرة أخرى، فقد حصلت بالفعل على ما تحتاج إليه، ثم لجأت إلى التوقف طواعية.
وحالياً، جز الكوريون بالفعل مقعدهم في النادي النووي مثل نظائرهم في “الصين والهند وباكستان وبالطبع إيران” ، لذلك لا نعتقد أن الضغوط الغربية كانت فعالة فى الضغط عليهم، ولأن كوريا الشمالية بالفعل بلد زراعي وصناعي، وهذا ما شهدناه عبر محطتين تلفزيونيتين “آر تى الروسية وشبكة العالم الإيرانية” حيث كانا التليفزيين الوحيدين اللذان صنعا إثنين من الأفلام الوثائقية الموضوعية والمهنية حول كوريا الشمالية.
علاوة على ذلك، هناك نوع من التشابه بين قصة كوريا الشمالية والقصة الإيرانية، لكن معالجة السيناريو مختلفة تمامًا، لأن إيران لم تقم أبدًا بأي تجربة نووية ولم تطلق أي صاروخ نووي لإختباره، بالإضافة إلى أن عضوية إيران في معاهدة حظر الانتشار النووي وكذلك لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد جعلت إيران في موقف قانوني قوي للغاية في إطار مفاوضات فيينا وأفضل من الطرف الغربي، وبالطبع فقد لعبت بشكل جيد مع الورقة الإسرائيلية، حيث أن الأخيرة لم تخضع لأية رقابة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثل إيران، في حين أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاءت إيجابية وتدعم الموقف الإيراني، الأمر الذي يضع الاتحاد الأوروبي في موقف حرج للغاية مع الولايات المتحدة الأمريكية ويجعلها ملتزمة بالاتفاق.
مع الأخذ في الاعتبار أن الصين وروسيا أنقذتا كوريا الجنوبية واليابان من دفع المزيد من الإتاوات إلى ترامب، ليس فقط أنهم أجبروه مرة أخرى على العودة إلى اتفاقية التجارة في آسيا الباسيفيكية بعد أن تخلص منها في عام 2017، الأمر الذي سيجلب الرخاء إلى كوريا الجنوبية واليابان لأنهم لن يخسروا الولايات المتحدة كشريك تجاري جيد لكليهما وسيتجنبون دفع المزيد مقابل التسلح ضد الأنشطة العسكرية لكوريا، والقضية برمتها كما نعرف هيمنة الولايات المتحدة ليس أكثر.
أما أوجه التشابه بين التجربتين الإيرانية والكورية فهي تتمثل في الحلفاء المسؤولين بالطبع “الصين وروسيا” الذين دعموا إيران في السابق وحالياً يدعمون إيران وكوريا الشمالية من أجل رخاء آسيا، وتنتقل هذه البلدان الأسيوية الآن إلى عصر جديد قائم على دور أكبر للقانون في تسوية أي نزاع أو اشتباك يحدث بين الدول الآسيوية دون اللجوء إلى القوة العسكرية، الأمر الذي يقودنا إلى الجزء الثاني من المقال – قمة الآسيان في سنغافورة.
قمة سنغافورة
عقدت رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) قمتها الثانية والثلاثين في سنغافورة في 28 أبريل، وتتكون رابطة دول جنوب شرق آسيا من عشر دول أعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (AMS)، وهي “بروناي دار السلام، وكمبوديا، وإندونيسيا، وجمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلند وفييتنام”، جدير بالذكر أن آسيان هي منطقة ذات ثقافات وخلفيات متنوعة، وللدول الأعضاء مصلحة مشتركة في تعزيز السلام والاستقرار والأمن في منطقتها، لمصلحة شعوبها.
في حين كان هناك مشروعان مهمان للتصديق عليهما (أولاً) رؤية قادة الآسيان التي ركزت على رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) المرنة والمبتكرة، فهي تلخص رؤيتها للرابطة لتتحد في مواجهة أوجه عدم اليقين المتنامية في المشهد الاستراتيجي العالمي، كما أنه يجب على الآسيان أن تكون قابلة للتكيف والتطلع إلى الأمام ، حتى تتمكن من تسخير الفرص وإدارة التحديات من التقنيات الرقمية المدمرة، وتزويد مواطنيها بالمهارات اللازمة لبناء آسيان مستقبلة للمستقبل وتعزيز قدراتهم لجعل مدنهم أكثر ذكاء.
ومع ذلك، كان (الثاني) هو “المشروع الصفري”، الذي ينقسم إلى أربعة أقسام رئيسية، وهي الموضوعات الرئيسية، والعلاقات الخارجية للاسيان، والقضايا والتطورات الإقليمية والدولية.
بينما كان الجزء الأكثر أهمية في المشروع الصفرى هو بحر الصين والنزاعات القانونية المتعلقة بترسيم الحدود خاصة بين “الصين وكمبوديا” وكذلك بين “الصين والفلبين” فيما يتعلق ببعض الجزر التي يدعي الجانبان سيادتها عليها.
ربما يكون لدى الصين بعض المخاوف القليلة بشأن تهريب المخدرات، فضلاً عن وجود بعض الجماعات المتعصبة الموجودة في الفلبين والتي ربما تنتقل أو تزاح إلى الصين عبر بعض الشواطئ القريبة أو الجزر، ولكن في نفس الوقت تعد الصين أكبر قوة اقتصادية في العالم، وقد تعوض كلا من كمبوديا والفلبين بطريقة أو بأخرى، أو بفتح سوق العمل ليديهما العاملة، خاصة بعد الأزمة التي قام بها الجانب الفلبيني مؤخرا في الكويت، بسبب قتل بعض الخادمات الفلبينيات هناك، وبالتالي فإن سوق الصين سوف يستوعب تلك الخادمات اللاتى قد يعتنين بالطفل الثاني للعائلات الصينية.
مع الأخذ في الاعتبار أن الصين حاليا هي واحدة من أكبر الأسواق الجذابة والمقصد لأفضل القوى البشرية المؤهلة من جميع أنحاء العالم، سواء من حيث الأجور، أو من حيث ظروف العمل، وأكبر من كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والاتحاد الأوروبي، وأستراليا، ودول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي يرجى التحقق من أرقام مواطني الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الذين يعملون حاليا في الصين على وجه الخصوص والشرق الأقصى على وجه العموم.
كما أن الشيء الجيد في المشروع الصفرى لـ آسيان هو تسوية أي نزاع بين دول الآسيان سواء بينها، أو بين أي دولة من آسيان وأي دولة آسيوية أخرى عن طريق دور القانون وعدم اللجوء إلى التسوية العسكرية، وهو أمر مثالي التحول في هذه المنطقة وسوف يضيف قيمة معنوية واقتصادية إليهم، وأتمنى لعالمنا العربي والإسلامي أن ينالوا من هذه التجربة الرائعة للآسيان.