المجلس الوطني الفلسطيني.. لماذا الآن؟- معين الطاهر
بعد 27 عامًا من إيداع المجلس الوطني الفلسطيني في الثلاجة، منذ آخر اجتماع شرعي له في الجزائر عام 1991، تتقرّر فجأة إعادته إلى الوجود، من دون أن يُفهم سبب بقائه مجمدًا، أو تعرف أسباب إعادته إلى الحياة، إن كان ما زالت فيه بقية روح. مع أنّ المجلس، وبحسب نظامه (المادة 8)، يُعقد دوريًا مرة كل عام، ومنذ عقده للمرة الأولى عام 1964 في القدس، وحتى دورته في الجزائر عام 1991، عُقدت له 21 دورة خلال 27 عامًا ثم غاب فترة مماثلة. وعبر هذه المدة، جرت محاولات لتوظيفه سياسيًا، لكنّها لم تحظ بشرعية كافية؛ ففي 1996 دُعي أعضاء المجلس إلى اجتماع في غزة، حضره الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وكان الغرض المُعلن وقتها تعديل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما أُعلن أنّ المجلس قد قام به، لكن يُلاحَظ في أدبيات المجلس المنشورة على موقعه التنصل من ذلك، ويعتبر رئيس المجلس، سليم الزعنون، أنّ ما اتخذ فيه كان محض توصياتٍ، يجب أن تُحال إلى لجان، وهذا ما لم يتم. وثمّة إجماعٌ على أنّها لم تكن دورة بالمعنى البرلماني، بقدر ما كانت تظاهرة للترحيب بالرئيس الأميركي وزوجته، فقد ارتفع عدد الأعضاء صبيحة انعقاده من 483 عضوًا، بحسب دورته الأخيرة، إلى 730 عضوًا. وقبل عقده بدقائق، جرى تفقد الحضور، واستبدل من غاب من الأعضاء، على الرغم من توجيه رقاع الدعوة إليهم، بغيرهم ممن تصادف حضورهم. وكاتب هذه السطور ممن غابوا احتجاجًا، فاستبدل غيره به. وجرت في عام 2015 محاولة لعقد دورة غير عادية للمجلس الوطني، تحت بند الظروف القاهرة. وبعد جدل سياسي وقانوني كبير، انصاع رئيس المجلس، وخالف إرادة القيادة السياسية، وجنّب الشعب الفلسطيني انقسامًا كبيرًا يمسّ بشرعية منظمة التحرير ونظامها الداخلي .
لا شك أنّ ثمّة حاجة للحفاظ على منظمة التحرير بيتا لجميع الفلسطينيين في فلسطين والشتات
وممثلًا شرعيًا لهم، وأنّ الحاجة ملحة لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، ذات صفة تمثيلية لجميع شرائحهم وقواهم ومنظماتهم الشعبية وأماكن وجودهم، وهو ما اتفق عليه لدى تأليف لجنةٍ تحضيريةٍ تحضّر لعقد مجلس وطني جديد، يهتم بدايةً بتقييم عمل القيادة السياسية، وبناء المشروع الوطني الفلسطيني الجامع. وهو ما لم يتم أيضًا، حيث جرى تعطيل اللجنة وتجاهل قرارات بناء إطار قيادي موحد.
ثمّة أنباء أنّ سبب عقد المجلس هو إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بذريعة تجديد الدماء فيها، وهو أمر لا يحتاج وحده إلى عقد دورة للمجلس، لا تتوفر لانعقادها جميع الظروف اللازمة، فبالإمكان اللجوء إلى الحل نفسه على سوئه، والذي أُخذ إليه عام 2009 حين استكمل أعضاء اللجنة التنفيذية، وفقًا للمادة ج من الفقرة 14 في النظام، فنحن هنا نحافظ على وضع قائم غير مرغوب به إلى حين الإعداد الجدّي لمجلس وطني حقيقي، يشكّل بداية مرحلة جديدة في النضال الفلسطيني.
وثمّة آراء أخرى تقول إنّ الهدف هو حل المجلس التشريعي المنتهية ولايته منذ 18/1/2010، وهو ما يمكن للرئيس المنتهية ولايته أيضًا منذ 8/1/2009، والمستمر في موقعه، كما المجلس التشريعي. وهو قرارٌ لا أهمية له، إذ بات المجلس معطلًا منذ الانقسام، إلّا إذا كان الهدف من ذلك إعطاء شرعية لانتخاب مجلس جديد في جزء من الوطن، كما أن ثمّة رأيا سائدا يقول إن حل المجلس التشريعي، بقرار من المجلس الوطني، يجنب السلطة الطعن بالقرار، إذا ما اتخذه الرئيس المنتهية ولايته، بل وأكثر من ذلك يفتح المجال في حال شغور موقع الرئاسة، لأي سبب كان، لأن يتولى رئيس المجلس الوطني الرئاسة مؤقتا، فيتيح الوقت للجهات المعنية الاتفاق على رئيس بديل، ويغلق الباب نهائيا على أي احتمالٍ، أو ادعاء بشرعية تولي رئيس المجلس التشريعي المنتهية ولايته، والمحسوب على حركة حماس الرئاسة الفلسطينية.
إجراءات عقد المجلس يلفها الغموض، فأي مجلس هو الذي سيُعقد؟ هل هو مجلس الجزائر (483 عضوًا) أم مهرجان غزة (730 عضوًا)؟ ومنذ مجلس الجزائر توفي 88 عضوًا، وازدادت أعمار الباقين 27 عامًا، أي أنّ الشيخوخة هي السمة السائدة فيه. ثم ماذا حلّ بالأعضاء في المنظمات الشعبية التي يُفترض أن يتغيّر أعضاؤها نتيجة انتخاباتٍ ديمقراطية في صفوفها؟ ومن الذي سيقوم باستبدالهم وبتعيين بدل المتوفين؟ وماذا سيحدث بكوتا العسكريين؟ وهل سيحل مكانهم في المجلس الوطني قادة أجهزة التنسيق الأمني؟ وماذا عن فصائل اضمحلت، ولم يعد أمينها العام المستظل بالسلطة الفلسطينية قادرًا على حشد مائة شخص في تظاهرة سلمية؟ أمّا عن تمثيل الشتات، فحدّث ولا حرج، فقد غيّبه اتفاق أوسلو، وما يزال غائبًا عن أي ترتيبات تتعلّق به، وأصبح يُدعى في منظمة التحرير بدائرة المغتربين، متناسين أنّ شعبنا في المنافي قد هُجّر قسرًا من بلاده، ويُمنع من العودة إليها.
من هم أعضاء المجلس القادم؟ وهل تم استثناء أحد من الأعضاء السابقين؟ دفع هذا الغموض عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، تيسير خالد، إلى السؤال ما إذا ما كان قد تم استثناء ثلاثة أعضاء من اللجنة التنفيذية من عضوية المجلس الجديد، فاروق القدومي وياسر عبد ربه وعلي إسحاق، مؤكدا أن عضوية أعضاء اللجنة التنفيذية ثابتة في المجلس الوطني، فإذا كان أعضاء اللجنة التنفيذية، وقبل أيام من انعقاد المجلس، لا يعلمون من هم أعضاؤه، بل ولا يعلمون عن مصير زملائهم في اللجنة التنفيذية، فمن يعلم؟ علما أن ثمّة حديثا عن مساوماتٍ جرت مع الأعضاء الجدد (من اختارهم؟) قبل تعيينهم للتأكد من موافقتهم على الحضور.
وشروط وُضعت على الفصائل المشاركة باختيار أعضائهم من داخل الأرض المحتلة، أو من القادرين على الحصول على موافقة العدو لدخولها، وذلك في محاولة لتكريس النصاب.
الأخطر الحملة على المعارضين، وتشكّل عبثًا بالحدّ الأدنى من الحفاظ على التماسك الداخلي. شعار الشهيد ياسر عرفات “شاء من شاء وأبى من أبى” الذي رفعه في وجه أعداء فلسطين أصبح يُستخدم ضدّ أبنائها. وحركة حماس، بنظر من ينسق أمنيًا مع العدو، قد أسسها إسحاق رابين. أمّا أهل غزة وأعضاء المجلس الوطني فيها، بمن فيهم المستقلون والفصائل وأبناء حركة فتح، فإنّ عليهم أن يشربوا من الجزء الملوث بمياه المجارير من بحر غزة الذي ازداد تلوثه بفعل عقوبات السلطة الفلسطينية التي قطعت الكهرباء عن محطات التكرير. ناهيك عن إثارة العصبيات الفصائلية، ومحاولات تأجيجها، لتبرير الاستغناء عن الآخرين.
الشعب الفلسطيني في أمسّ الحاجة إلى مجلس وطني فلسطيني توحيدي، يحافظ على منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني كله، ويعيد صياغة مشروعه الوطني من أجل مقاومة الاحتلال ودحره، والتصدي الجدّي والفاعل لصفقة القرن، ولمحاولات التطبيع العربية مع الاحتلال. مجلس موحد يشكّل رافعة للتحرير، وأداة للبناء، وليس مجلسًا يرفع مدماكًا جديدًا في بنية الانقسام، ويُضعف من شأن منظمة التحرير التي ابتلعتها السلطة، وشلّتها المفاوضات واتفاق أوسلو، وشكّكت السلطة بتسلطها على المنظمة، وليس أحد غيرها، بصفتها التمثيلية.