كوريا وسورية وحدود القوة
غالب قنديل
يمثل الحدثان الكوري والسوري المستجدان خلال الأسابيع القليلة الماضية تعبيرا أصيلا عن تحولات ميزان القوى العالمي ويكشفان عن حقائق حدود القوة الأميركية المتغطرسة التي يقودها حزب الحرب ويتخذ من الرئيس دونالد ترامب ناطقا باسمه بكل ما لديه من رعونة وجلافة وعدائية اتجاه العالم بأسره.
في المثال الكوري ظهرت فاعلية قواعد القوة بوصفها العنصر الحاسم في رسم السياسات والاحتمالات بحيث استطاعت قيادة كوريا الشمالية انتزاع زمام المبادرة من الولايات المتحدة “العظمى” وفرضت عليها التراجع عن التهديد بالحرب النووية إلى الرضوخ لجبرية الجلوس إلى طاولة التفاوض وكان اول طريق الإذعان الأميركي هو إثبات الرئيس الكوري كيم جونغ اون لقدرة بلاده على امتلاك الردع النووي من خلال التجارب المتكررة التي قادها وأشرف عليها شخصيا وهذا هو التحول الفعلي الذي اكره الرئيس الأميركي المستذئب على تمني فرصة للقاء بالزعيم الكوري الذي لم يوفر القادة الأميركيون والغربيون فرصة لمحاولة تشويه سمعته والإساءة إليه ورددت تلك الأكاذيب خلفهم شبكات واسعة من العملاء في مختلف انحاء العالم ولاسيما في منطقتنا العربية.
استند الزعيم الكوري في إدارة الصراع إلى حليفيه الموثوقين ضمن جبهة مناهضي الهيمنة الأميركية روسيا والصين وسدد الضربة التالية لاختبارات كوريا النووية والصاروخية لكنها كانت سياسية هذه المرة من خلال قمة جمعته برئيس كوريا الجنوبية ونزعت من يد الأميركيين ورقة تمزيق الأمة الكورية التي كانت منذ الحرب العالمية الثانية اول وأمضى أسلحة الهيمنة لمنع نهوض الشعب الكوري وأعلن بكل ثبات عن صفحة جديدة في تاريخ العلاقة بين الشطرين الشقيقين وهذا التحول المصيري سيكون له تأثير حاسم على ميزان القوى وهو يحد من هوامش المناورة الأميركية وينم عن نضج إرادة وطنية حازمة في الشمال والجنوب لانتزاع زمام المبادرة من يد القوى الاستعمارية وبدء تاريخ جديد يكتبه الشعب الكوري بنفسه.
اما في سورية فقد تلاحقت التقارير والمعلومات خلال الأيام القليلة الماضية التي تكشف تفاصيل كثيرة عن العدوان الاستعماري الأميركي الفرنسي البريطاني الذي استهدف الجمهورية العربية السورية وقد اكدت روايات الصحف الأميركية ومراكز الدراسات والتخطيط ومقالات بعض المحافظين والمتطرفين مصادقة حزب الحرب في إدارة ترامب وممثله جون بولتون المعين حديثا كمستشار للأمن القومي على تفاهم مسبق مع القيادة الروسية حول حدود العملية العسكرية ضد سورية وابتعادها عن اية اهداف روسية او إيرانية على الأرض السورية وكانت الحقيقة الأهم التي تسارعت الاعترافات بشأنها بالغمغمة ودون ضجيج هي نجاح الدفاعات الجوية السورية في اعتراض صواريخ العدوان وإفشال ضربة ترامب وماكرون وماي الذين تركزت جهودهم على خلق ضجيج سياسي وإعلامي كاذب يرفع أسعار أسهم شركات صناعة الصواريخ الموجهة بعيدة المدى ليجني بعض المقربين والشركاء أرباحا مالية ضخمة في غضون أيام قليلة وليتبين بوضوح من المعلومات والوقائع ان الرئيس الأميركي وشريكاه عبر الأطلسي لم يبق لهم سوى العمل كمندوبي مبيعات ومضاربة في زمن الانحدار الاستراتيجي لحلف الناتو.
عندما يكون العدوان الاستعماري الثلاثي على سورية مصمما بدقة لتحاشي الصدام مع روسيا وإيران كما كشف الصهيوني مارتن انديك في مقالة نشرها يوم الجمعة الماضي فهذا يرسم حدود القوة الاستعمارية المتغطرسة وعجزها عن تحمل التبعات والعواقب التي يرتبها عدوان كبير يهدد به الغرب ويتمناه القادة الصهاينة وأذنابهم في مراكز القرار الغربي.
لقد رسمت التوازنات حدودا رادعة للتهديدات الغربية ومن ثم رسمت سورية بقدراتها الدفاعية حدودا حاسمة للمعتدين من خلال ظهور قدراتها التقنية والعلمية والدفاعية الوطنية في نظام للدفاع الجوي طورته الخبرات السورية باستخدام تقنيات سوفيتية قديمة مما حدا بالقيادة الروسية لتحريك قرار تزويد الجيش العربي السوري بمنظومات الصواريخ الأحدث والأكثر تقدما ومن هنا تحركت موجة الذعر الصهيوني.
توطين العلوم وامتلاك التكنولوجيا والإرادة الاستقلالية الحرة والقدرات الوطنية والقيادة الحازمة والتحالفات الوثيقة وذات المصداقية المجربة هي العناصر والسمات التي تميز عصيان سورية وإيران وكوريا وتفتح آفاقا لتحولات جديدة في المعادلات الدولية وكل عدو للهيمنة والغطرسة مستهدف بحملات تضليل وشيطنة إعلامية تتكشف عن خرافات واكاذيب متضخمة بدوافع عدوانية.
القوة تصنع الحقائق والإرادة تفضح العدوان والحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي يعيش حالة متمادية من الارتباك الشديد امام صعود نماذج تحررية استقلالية تتحدى الهيمنة وتقيم شبكات عالمية من التحالفات ضدها ستكون مهيأة للتحول إلى شراكات جبارة في بناء المصالح العابرة للقارات والبحار.