عقارب الساعة الإيرانية
غالب قنديل
لم يكن الاتفاق النووي هدية مجانية من باراك اوباما للجمهورية الإسلامية بل حصيلة مكثفة لمخاض سياسي ودبلوماسي دولي متعدد الأطراف حصلت في سياقه زحمة تهديدات وحروب ومحاولات مستميتة لتعديل توازن القوى أعقبتها مفاوضات شاقة وحبس أنفاس عالمي عندما هدد اوباما بالعدوان على سورية في أيلول عام 2013 ولاحت نذر حرب كبرى إقليمية ودولية تستبطن توسيع نطاق العدوان صوب إيران بعد اشتعال القتال وفقا لما خطط له حزب الحرب الأميركي وقادة الكيان الصهيوني.
أثبتت التجربة الممتدة منذ غزو العراق وتدميره تبلور توازن القوى الجديد في المنطقة والعالم وصعوبة الانقلاب عليه باستعمال استراتيجية الحروب المتنقلة مباشرة أوبالوكالة وقد كرست هزائم داعش والقاعدة في سورية والعراق انبثاق الحلف المناهض للهيمنة الأميركية الأحادية في العالم والذي يضم روسيا والصين وإيران ومحوره سورية التي وهبت بصمودها المبهر لجميع حلفائها مزايا تفاعلية وتفاضلية في المواجهة حول مستقبل العالم والعلاقات الدولية.
موقع إيران ودورها وشراكتها الوثيقة مع روسيا والصين بات الحقيقة الحاكمة للتوازن الاستراتيجي المتحول في العالم ولم ولن يفلح في الحد من فاعلية هذا الدور كل الصراخ الأميركي والسعودي والإسرائيلي عن الخطر الإيراني في الشرق لأن جوهر الدور الإيراني هو دعم قوى الاستقلال والمقاومة في الشرق ولا يبدل الفجور التحريضي شيئا في حقيقة الأمور.
في لبنان وفلسطين تدعم إيران قوى المقاومة في مجابهة الكيان الصهيوني وفي العراق ظهر الدور الإيراني بوصفه قوة دعم وإسناد للقوى العراقية التي قاتلت داعش مقابل الموقف الأميركي الملتبس والمشبوه رغم وجود اتفاقات مبرمة مع الحكومة العراقية.
حتى القوى الكردية العراقية الملتحقة بخط الهيمنة الأميركية في العراق والمنطقة شعرت بالخزي والخذلان امام جمهورها المهدد والخائف من مذابح داعش وحملات السبي والقتل والسرقة المنظمة ولم تكن قادرة باعتراف قادتها على صد جحافل داعش لولا المساعدة الإيرانية المباشرة ويحفظ جميع العراقيين لاسيما الأكراد منهم لإيران هذا الجميل ومن لا يجاهر بذلك يعرف في يقينه انه لولا إيران ومساعدتها لفتك بمئات الألوف جيش المتوحشين والجزارين الذين استولدتهم المخابرات الأميركية من رحم القاعدة ودعمتهم تركيا والسعودية وقطر لتمزيق العراق وسحقه وكانت الخطة الأميركية تتخيل ثلاثين عاما من القتال الدموي والمجازر ومن التدمير المنهجي لمرافق الإنتاج والصروح الحضارية والنهب المفتوح للثروات العراقية.
اما في سورية فالدور الإيراني يقوم على دعم جهود الدولة الوطنية السورية في الدفاع عن السيادة ومجابهة الإرهاب التكفيري وينبغي القول إن إيران استغرقت وقتا حتى اتخذت قرارها باعتبار ما يجري عدوانا استعماريا صهيونيا مدبرا ضد محور المقاومة انطلاقا من استهداف الجمهورية العربية السورية وخلال السنة الأولى للعدوان على سورية ركزت إيران دورها على الوساطة السياسية بين الدولة الوطنية وواجهات المعارضة التي افتضح فيما بعد ارتباطها بالغرب وبالحكومات الإقليمية المتآمرة بل وبالكيان الصهيوني ورفضها لأي حل سياسي يحمي سيادة سورية واستقلالها وحدتها الوطنية وقد بذلت إيران جهودا مضنية في السعي إلى التأثير على موقف قيادة تنظيم الأخوان في سورية والنظام التركي الأخواني المتآمر مستخدمة رصيد علاقاتها بهما لصالح الحث على حل توافقي مع الدولة السورية واصطدمت جميع المحاولات بجدار التورط الأخواني العثماني في مشروع اميركي صهيوني خليجي لإسقاط القلعة السورية تمهيدا لضرب محور المقاومة وإخضاعه على مستوى المنطقة كلها والحق أنه كان لقائد المقاومة السيد حسن نصرالله دورحاسم وطليعي مبكرا في التقاط جوهر الصراع ووظيفة الحرب على سورية كفصل رئيسي من خطة أشمل تستهدف سورية ولبنان والعراق وإيران وقضية فلسطين.
رغم كل ما تعانيه إيران نتيجة الحصار والعقوبات المتراكمة تواصل صمودها وتمسكها باستقلالها وبخيارها المنهجي إلى جانب حركات المقاومة والاستقلال وبالذات إلى جانب سورية الدولة العربية الوحيدة التي ناصرت الثورة الإيرانية منذ فجرها ودعمتها في أصعب الظروف وشاركتها خيار دعم قضية فلسطين واحتضان حركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني.
الحملة الأميركية الفرنسية البريطانية على دور إيران الإقليمي هي حملة صهيونية بالأساس وكما كان البرنامج النووي الإيراني السلمي محورا لجبال الأكاذيب والشائعات التي فضحتها التجربة يتحول الاتفاق النووي والمطالبة بتعديله وتضمينه بنودا جديدة وسيلة ضغط لحلف مهزوم وعاجز عن تعديل التوازنات امام قوة إيران وتحالفاتها الصلبة والوثيقة وستبين الأيام ان ما كتب قد كتب ولن يستطيع حلف الخاسرين رد عقارب الساعة الإيرانية إلى الوراء.