عيوب انتخابية فاضحة
غالب قنديل
يمكن للمتابع ان يسجل كمية كبيرة من الثغرات في إدارة العملية الانتخابية وهي تنطوي على خرق متواصل للدستور والقانون ويأتي في مقدمتها استغلال المسؤولين المرشحين لمناصبهم وصفاتهم الرسمية وللمقدرات المالية والإدارية التي تتيحها لهم في استمالة الناخبين والتأثير على خياراتهم.
من أبرز الخروقات المرتكبة والمدبرة كان توقيت مؤتمرات روما وباريس وبروكسل خلال فترة الحملة الانتخابية وقد تحولت إلى منصة لتسويق شخص رئيس الحكومة وفريقه السياسي في تظاهرة دولية يتعمد خلالها المنظمون تصنيع صورة المنقذ الذي تتلاقى حكومات الغرب والخليج على دعمه واحتضانه عشية الانتخابات في عناوين الاقتصاد ومساعدة الجيش والنازحين السوريين.
من جهة أخرى يمكن إحصاء العديد من القرارات والإجراءات الوزارية التي حركت صرف تعويضات وموازنات من الوزارات لتمرير خدمات مؤجلة في العديد من المناطق ولتحريك ملفات كانت معلقة وجرى توقيت الإفراج عنها في نطاق الحملة الانتخابية.
في هذا المجال برز الخلل الذي شكا نه عدد من اعضاء هيئة الإشراف على الحملات الانتخابية وهو خلل يقع أصلا في احكام القانون الذي أخضع الهيئة لسلطة وزير الداخلية المرشح والقيادي في حزب سياسي يخوض الانتخابات في العديد من الدوائر.
كمية الثغرات والعيوب الظاهرة في التجربة تستدعي البحث لاحقا في تعديل القانون واولوية تحصين الهيئة واستقلاليتها الكاملة وتمكينها من اداء دورها من خلال امتلاك الأدوات التقنية والعملية لمراقبة الحملات السياسية والإعلامية الانتخابية والتدقيق المالي الشامل في شتى وجوه الإنفاق الانتخابي ومنع الالتفاف على القانون وهذا يقتضي تمكين الهيئة بصلاحياتها من التدخل لوقف أي مخالفة تثبت وقوعها بعد التحقق من ذلك استجابة لشكوى او بالتحرك عفوا نتيجة المتابعة الإعلامية او الميدانية وهذا التعديل هو شرط لابد منه لضمان التكافؤ في الفرص بين اللوائح المتنافسة في الانتخابات.
لكن التعديل الأبرز المتوجب في القانون هو الإفراج عن المادة الخامسة والتسعين من الدستور ومباشرة اعتماد نظام المجلسين بدءا من الانتخابات القادمة بحيث يطبق جوهر تخطي الصيغة الطائفية للحكم الذي نص عليه اتفاق الطائف وما يزال معلقا وغير مطبق بتواطؤ غالبية القوى التي شاركت في الحكومات المتعاقبة ورغم بروز مبادرات ودعوات متعددة لانطلاق هذه العملية لكنها اصطدمت بتحجر القوى المهيمنة وعدم تجاوبها.
من حسنات إدخال النسبية في العملية الانتخابية رغم الثغرات الكثيرة التي اعتورت القانون ان جميع القوى السياسية الكبرى تعيش حالة من القلق نتيجة عدم قدرتها على حسم الصورة النهائية للنتائج ولأن مواقع احتكار التمثيل الطائفي تشعر بأنها باتت محكومة بتعديل حتمي للأحجام النيابية بحيث يرجح ان زمن الكتل المتضخمة يوشك على النهاية ليخلي المكان للتعدد السياسي العابر للطوائف والمناطق.
من الشوائب الخطيرة في الحملات الانتخابية الاستعمال المبتذل والخطير للتحريض الطائفي والمذهبي واستثارة المخاوف وتحريض المواطنين على بعضهم تحت شعار ” شد العصب ” البائس والتافه الذي لم يورث سوى الأحقاد والمذابح ويتقدم صفوف المحرضين رئيس الحكومة الذي يتجول في المناطق مهاجما حزب الله ومثله يفعل حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وهذه الأطراف تسترجع خطب مراحل الصدام والاحتقان السياسي بينما يحرص حزب الله على اعتماد خطاب هادئ ويكتفي بشرح توجهاته للجمهور بعيدا عن التشنج والتوتر اللذين يستخدمان ضد الحزب بكثافة.
تغيب السلطة ويغيب القضاء كليا عن أي تحرك لكبح مخالفات جسيمة ويتحول القانون وهيئة الإشراف إلى مكسر عصا مع العلم ان صيغة القانون كانت حصيلة التوافق السياسي الممكن بين الأطراف المكونة للسلطة والتي تتحضر للمساكنة لولاية جديدة في المجلس الذي سينبثق في السابع من أيار المقبل ويتمنى اللبنانيون عدم تمديدها وإجراء الانتخابات فور انقضائها خلافا لما جرى منذ خمس سنوات.