شؤون دولية

المانيا: أندريا ناليس أول امرأة لرئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي

فازت أندريا ناليس في انتخابات رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني بنسبة 66% من الأصوات، خلفا لمارتن شولتز، وسيكون على عاتقها مهمة إعادة توحيد صفوف الحزب المنقسم الذي دخل في “تحالف كبير” ثالث مع المستشارة ميركل .

وعُرفت ناليس، المرأة التي نشأت في عائلة كاثوليكية في فايلر، القرية الصغيرة التابعة لولاية راينلاند بفالس، بشخصيتها المتمردة منذ صغرها. قامت في عام 1989 بتأسيس جمعية محلية لـ”الاشتراكي” في قريتها مع عدد من أصدقاء الدراسة، وذلك بعد عام من انضمامها إليه، لتتولى في عام 1993 منصب الرئاسة الإقليمية لشبيبة الحزب في الولاية، وليبدأ نجمها السياسي بالصعود على مستوى البلاد.

نافست أهم الوجوه الشبابية في قيادة “الاشتراكي”، وترأست من عام 1995 حتى 1999 منظمة شبيبة الحزب الاتحادية، ليشيد بعدها زعيم الحزب آنذاك أوسكار لافونتين بها، لكونها المرأة التي تتحلى بالكثير من الجرأة والشجاعة، وهي التي عُرف عنها أنها صارمة في مواقفها حتى مع المخضرمين من أعضاء الحزب. تتميز سيرتها المهنية في “الاشتراكي” بالكثير من الصراعات والنزاعات، ولا تتوانى عن توجيه الانتقادات لزملائها. واظبت على العمل الحزبي، وقادت مجموعة عمل داخلية للعمل على مقترحات الإصلاح، وهي تلقى الكثير من التقدير؛ لكونها محترفة في إدارة ملفاتها، حتى من قِبل خصومها السياسيين كالمستشارة أنجيلا ميركل، التي أشادت بمهنيتها خلال عملها على رأس وزارة العمل الاتحادية.

لم تكن طالبة الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة بون، تهاب المواقف الصعبة، وهي التي تجرأت على وصف زعيم حزبها، المستشار السابق غيرهارد شرودر، بـ”محطم البرامج الديمقراطية الاجتماعية”، ووجّهت انتقادات لأجندة 2010 التي بدأها المستشار شرودر في عام 2003.

انتقلت ناليس إلى الساحة السياسية الاتحادية ووصلت إلى البوندستاغ في الانتخابات العامة عام 1998، إلا أنه في انتخابات عام 2002 لم يحالفها الحظ، ويقال إن السبب يعود إلى الأداء الضعيف لحزبها في الولاية، ليعاد انتخابها مرة جديدة في عام 2005 وتدخل البوندستاغ، وتنضم في عام 2008 إلى اللجنة التنفيذية للحزب، عدا عن مشاركتها في لجنة العمل والشؤون الاجتماعية البرلمانية. كما شغلت ناليس بين عامي 2009 و2013 منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي، لتشارك في حكومة ميركل الثالثة حتى عام 2017 كوزيرة للعمل. وبعد الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في أيلول من العام الماضي، تم انتخابها رئيسة للكتلة البرلمانية لـ”الاشتراكي” في البوندستاغ.

وفي موازاة عملها السياسي، كان للكتابة حصّة في مسيرة “الزعيمة الاشتراكية”، إذ قدّمت في عام 2009 كتابا بعنوان “المرأة، الإيمان، اليسار-الأهم بالنسبة لي”، روت فيه سيرتها الذاتية ودافعت فيه عن نفسها سياسيا، متحدثة عن جذورها الكاثوليكية، وواصفة دينها بأنه “مصدر القوة”، وهي المعروفة بممارستها للشعائر الدينية.

عانت حياة صعبة صحياً بعدما تعرضت لضربتين قاسيتين، الأولى خلال مشاركتها الرياضية في منافسات الوثب الطويل أيام الدراسة، تسبّبت لها في تمزق في الوتر والورك، وخضعت بعدها لعمليات جراحية عدة، وبقيت لشهور في المستشفى، وما زالت تعاني من آثار تلك الضربة عند المشي، ولا تنتعل الأحذية ذات الكعب العالي إلا نادراً. والثانية كانت عندما اصطدمت بشجرة خلال قيادتها السيارة وهي في عمر الشباب، كادت أن تكلفها حياتها، وأصيبت حينها بجروح خطيرة، حتى إن بعض الندبات واضحة على جبينها، لتبقى شاهدة على هذا الحادث.

في عام 2010 تزوجت من المؤرخ الفني ماركوس فرينكس وأنجبت منه ابنتها إيلا ماريا، قبل أن تنفصل عنه في عام 2016، وتتولى حاليا رعاية ابنتها التي تبلغ 7 سنوات.

مسيرة ناليس السياسية تعكس وضوح خطّتها وعملها المستقبلي. وتؤكد دائماً أن همها إدخال مفاهيم جديدة على سياسة الحزب، وإعادة تجديده، وإظهار قوته، وتحقيق التقدم والعمل في مواضيع تتعلق بالعمل والأمن والأجر الجيد. ظهر ذلك خصوصاً في مؤتمر الحزب في 21 كانون الثاني الماضي في مدينة بون، حين ساندت زعيم الحزب السابق مارتن شولتز، وكان لخطابها الأثر الطيب في إثارة الحماسة في صفوف المندوبين، باعتمادها على العاطفة والندية، ما دفع الصحافة في ما بعد إلى وصفها بـ”اللبوة”، ولينتهي المؤتمر بموافقة الأكثرية على المشاركة مجدداً في مفاوضات لتشكيل ائتلاف كبير مع “الاتحاد المسيحي” بزعامة أنجيلا ميركل.

وهناك ما يشبه الإجماع في الرأي على أنه بفضلها أيّد المندوبون مفاوضات الائتلاف مع ميركل، والتي أنتجت في نهايتها ولادة ائتلاف جديد بين الحزبين، ليعود العمل إلى المؤسسات الدستورية في البلاد بعد ستة أشهر من التخبّط، كادت أن تكلف البلد صاحب الاقتصاد الأقوى في أوروبا ركوداً على المستوى الاقتصادي وتراجعاً لدوره ونفوذه المتقدّم على مستوى القارة العجوز. مع العلم أن ناليس أعلنت معارضتها القاسية لائتلاف جامايكا الذي حاولت ميركل إقامته مع “الخضر” و”الليبرالي الحر” وأفشله الأخير، قبل أن يعود حزبها “الاشتراكي” للتفاوض مع ميركل، بعد أن تمنى الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير على قيادة الحزب ذلك.

في السياسة الدولية، عبّرت ناليس، في تصريحات صحافية، عن نيّتها تعزيز دور الحزب كحزب يدعو إلى السلام وتعزيز الحوار، وبالأخص مع روسيا وعلاقتها مع الغرب، وللتغلب على التصعيد في منطقة الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى