الحيرة الأميركية بعد العدوان
غالب قنديل
من الواضح ان الاضطرار الأميركي للتنسيق المسبق مع روسيا قبل العدوان الاستعماري الثلاثي على سورية أكد حقيقة توازن القوى الجديد في العالم والمنطقة وهو ما ظهر بعد العدوان مباشرة بانطلاق التحضيرات للقاء قمة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين ليكون الملف السوري احد أبرز بنود جدول أعماله على الأرجح ووفقا لتوقعات صحافية عديدة.
يجمع الكتاب والخبراء الأميركيون على حصول التنسيق المسبق بين واشنطن وموسكو على النحو الذي حصر القصف الصاروخي بأهداف سورية وينقل بعض الصحافيين معلومات وتكهنات عن قيام القيادة الروسية بإشعار سورية بجميع المعلومات مسبقا مما سمح للقوات السورية باتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي فاجأت بفاعليتها الحلفاء ودول العدوان معا عندما تمكنت منظومات الدفاع الجوي السورية المحدثة من التعامل مع أحدث ما تملكه ترسانة الصواريخ الأميركية الأطلسية وأفشلت الهجوم بمعدل سبعين بالمئة.
تحاشت الولايات المتحدة اشعال مواجهة كبرى مع القوات الروسية الموجودة في سورية وتدعمها قطع مقاتلة من الأساطيل الحربية الروسية التي تطوف حوض المتوسط وتزور الموانئ السورية باستمرار كما تجنبت الولايات المتحدة الاحتكاك الأوسع مع قوات إيران وحزب الله وجنبت إسرائيل حرج انهمار الصواريخ عليها ردا على أي استهداف محتمل بينما ظل خط الاشتباك الإيراني الإسرائيلي مفتوحا على رد مؤكد قادم توعد به السيد حسن نصرالله واكدته تصريحات القادة العسكريين الإيرانيين.
في هذا المشهد المرتبك تزايد الكلام الإعلامي التسويقي الأميركي للإيحاء بنجاح العدوان وطمس حقائق الاضطرار إلى التنسيق المسبق وقد وجد بعض الكتاب صلة لتلك الادعاءات بمحاولة رفع أسعار أسهم الشركات المصنعة للصواريخ بعيدة المدى التي استعملت في العدوان وسجلوا مؤشرات فعلية في البورصات العالمية على وقع التصريحات العنترية المتفاخرة التي ظهرت في عواصم العدوان الثلاث والواقع السياسي يرجح هذا البعد الحقيقي فالرئيس دونالد ترامب لا يخفي كونه مسوقا لمنتجات السلاح الأميركية والرئيس الفرنسي خبير قادم من شركة غولدمان ساكس وكشف الدكتور ميخائيل شاسودوفسكي ان السيد فيليب ماي زوج رئيسة الوزراء البريطانية هو احد المدراء التنفيذيين لشركة لوكهيد التي سجلت ارتفاع أسهمها بمعدل خمسة بالمئة.
أما رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ريتشارد هاس فقد أكد محدودية الانجاز المزعوم للقصف الصاروخي الذي استهدف سورية وفي مقال نشره في موقع بروجيكت سانديكيت اعتبر هاس ان الضربات الصاروخية ليست بداية عملية لاستراتيجية جديدة في سورية رغم تأييده للقائلين بأنها كانت “تأكيدا للحزم الأميركي” من حيث المبدأ وفي التكهنات حول الخطوات التالية يجد هاس ان الخطط الأميركية تصطدم بعوائق يصعب تجاوزها أبرزها : الحضور الروسي القوي وصعوبة التفاهم السياسي على اهداف مشتركة في سورية بما في ذلك محاولة الحد من الوجود الإيراني ومن دور حزب الله وهما العاملان المثيران للقلق الاستراتيجي الإسرائيلي بصورة خاصة والعائق الثاني هو معضلة الجمع بين اشراك تركيا في العمل العسكري والاحتفاظ بعلاقة الدعم والاحتضان الأميركي للوحدات الكردية وسوف تزداد الأمور صعوبة في نظر هاس إذا اختارت واشنطن استبدال جنودها الألفين في سورية بقوات سعودية مصرية أردنية إماراتية وهو يشك أصلا بقدرة هذه الدول على إرسال قوات بسبب انغماسها في أولويات وملفات متفجرة تطال أمنها المباشر واستقرارها الداخلي كما يشك هاس بالقدرة على احتواء هذه العوائق او تخطيها سياسيا وعسكريا وعمليا يفسر ما سبق حالة القلق والحيرة التي ما تزال تحكم السلوك الأميركي في سورية والمأزق ناتج أصلا عن تحولات موضوعية كبرى وعميقة لا تملك الإمبراطورية الأميركية وحلفاؤها في الغرب القدرة على التأثير في مجراها.
بالمقابل يعلق بعض المتفائلين آمالهم على القمة الروسية الأميركية التي ستكون مجالا لمناقشة كمية كبيرة من الخلافات الشائكة والمعقدة بفعل التصعيد الأميركي ضد روسيا ومحاولة خنقها في مجالها الحيوي وهو ما فصله مايكل كلير الكاتب الاستراتيجي الأميركي في مقالته عن تحضير البنتاغون لحرب ضد روسيا والصين ومن الواضح ان مناخ التوتر سيحكم خلفيات لقاء القمة المرتقب وسيكون التشدد الروسي في سورية تعبيرا رئيسيا عن رفض الاستفزازات الأميركية الجوالة في جبهات وقضايا متعددة بما في ذلك ما يجري في اوكرانيا ودول البلطيق وشرقي أوروبا بعدما بات الحصاد السوري رصيدا رئيسيا لإثبات القدرات الروسية وسورية هي اليوم المنصة الدولية التي أعادت الاعتبار لدور القوة الروسية العظمى في العالم.