بقلم ناصر قنديل

قمة ترامب بوتين وأمن “إسرائيل”: ناصر قنديل

بالتزامن مع تصاعد التوتر الغربي الروسي إلى أقصى ما يمكن بلوغه تحت سقف تفادي التصادم المباشر، عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرتين، عقد قمة تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فواشنطن محكومة من جهة بنتائج اختبار القدرة على إيجاد هامش للخيار العسكري يغيّر التوازنات من دون تورطها بمواجهة مفتوحة وشاملة. والتجربة بعد العدوان الأخير على سورية تقول بأنّ هذا الخيار الافتراضي لا مكان له في الواقع، فيصير أيّ عمل عسكري محكوماً بما وصفه وزير الخارجية الروسي باحترام الخطوط الحمراء التي رسمتها موسكو. ومن جهة مقابلة تضغط جملة استحقاقات على واشنطن لا تملك تجاهلها، ولا تجاهل أنّ العبور الآمن منها مستحيل من دون التفاهم المسبق مع موسكو. وهذا صحيح بالنسبة لاستحقاق التفاهم النووي الإيراني الذي يجب على الرئيس الأميركي حسم خياره تجاهه بين الإلغاء وإيجاد مخارج تفاوضية مطلع الشهر المقبل، كما هو صحيح بالنسبة للتفاوض حول السلاح النووي لكوريا الشمالية بين العودة إلى مواجهة قاسية وصعبة أو السير بالتفاوض حتى النهاية، والقرار مطلوب قبل نهاية الشهر المقبل .

لا يمكن فصل إلحاح الرئيس الأميركي على طلب عقد قمة مع الرئيس الروسي عن القناعة الأميركية بالحاجة لتفاهم مع روسيا يوفر مخارج تفاوضية تواكب استحقاقات أميركية داهمة ومقبلة، ولا أمل من الفوز بها بخيار التصعيد، والمؤشرات التي حملتها زيارة رئيس المخابرات ووزير الخارجية المعين مايك بومبيو إلى كوريا ولقاؤه زعيمها كيم جونغ أون تقول بالعزم الأميركي على السير بالخيار التفاوضي الذي يشكّل التفاهم مع موسكو وبكين بوليصة التأمين لنجاحه. ويعلم الأميركيون جيداً استحالة السير بالبحث عن التفاهم مع موسكو وبكين على إيقاع قرار بحجم إلغاء التفاهم النووي مع إيران، ما يضع للقمة الروسية الأميركية المنشودة مهمّتين رئيسيتين من الزاوية الأميركية، مواكبة مساندة لإنجاح التفاوض مع كوريا الشمالية، وتقديم ضمانات تشكل مخرجاً مناسباً للرئيس الأميركي تتيح طي ملف التفاهم النووي الإيراني إيجاباً، وفي المقابل يحضر على جدول الأعمال الأميركي ما تريده روسيا سواء في سورية أو في أوكرانيا أو في ملف العقوبات.

في الردّ على الدعوة الأميركية الأولى للقمة مع الرئيس الروسي قال الكرملين إن ليس على جدول أعمال الرئيس بوتين مثل هذه القمة. وكان ذلك تحت تأثير التصعيد الأميركي في سورية، بينما مع تجديد الدعوة الأميركية جاء الردّ الروسي مختلفاً ومسبوقاً بكلام لافروف عن التزام واشنطن بالخطوط الحمراء الروسية في العدوان على سورية، فقال لافروف عن القمة إنّ المهمّ هو ضمان نجاحها وتحديد وتحضير مسبق لملفاتها وجدول أعمالها، وخلال ساعات كان البيت الأبيض يعلن عن لقاء مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون المحسوب كعدوّ لروسيا، بالسفير الروسي في واشنطن أناتولي أنطونوف، والقول إنّ «البحث كان مخصصاً لحالة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ، والتأكيد على أنّ علاقات أفضل هي في مصلحة كلّ من الولايات المتحدة وروسيا»، ما يعني الدخول عملياً في ترتيبات القمة التاريخية التي ستجمع الرئيسين.

القمة ستكون تاريخية، لأنها تلي جولات مواجهة اقتصادية ومالية وعسكرية وسياسية ودبلوماسية متعدّدة لم تُبق هوامش لم تُختبر خلالها، وصولاً إلى حافة التصادم المباشر، ولأنها تواجه الحاجة لحسم ملفات حساسة ومصيرية وخطيرة على مساحة العالم، ما يجعلها أقرب إلى قمة يالطا التي جمعت الزعيم السوفياتي جوزف ستالين بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية، لكن هذه القمة ستختلف لجهة وضعها قواعد نظام عالمي جديد، يبدأ بترسيم التوازنات والمصالح الحيوية والتفاهم على تسويات الملفات العالقة، وينطلق لمسار سنوات من ترتيب قواعد إدارة الوضع الدولي تحول دون التصادم وتسحب فتائل التوترات، وتوجه المقدّرات المخصّصة لتخديم المواجهة لتطوير الإمكانات الاقتصادية والاستثمارية للدولتين في مجالات تشكل الصين فيها شريكهما الثالث.

– يبدو أمن «إسرائيل» القضية الوحيدة العالقة التي يصعب بلورة حلّ تفاوضي سريع حولها، فمن جهة تواجه «إسرائيل» تصعيداً فلسطينياً لا تملك موسكو مفاتيح التحكم به، سيبلغ الذروة منتصف الشهر المقبل بتزامن ذكرى اغتصاب فلسطين مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ويتزامن كلّ ذلك مع تصعيد إيراني إسرائيلي غير مسبوق، بحيث يبدو سقف الممكن هو ترك التطورات ترسم السياق، فسقف ما يمكن لروسيا فعله هو الوقوف على الحياد في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية المقبلة، بينما تستطيع واشنطن تبرئة ذمّتها أمام الإسرائيليين بكونها منحتهم حلم القدس بنقل سفارتها، ويكون الاحتواء المزدوج من واشنطن وموسكو لمنع الانزلاق إلى مواجهة كبرى حاضراً لخيار أحادي هو فتح مسار الحلّ السياسي للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي بما يشبه مدريد ثانية بينما على المسار السعودي يبدو التحضير لتفاوض سعودي إيراني الخيار الذي يتقدّم بمساعٍ عُمانية تحت عنوان الحرب على اليمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى