حلب وعيد الجلاء: ناصر قنديل
– كان اختيار الرئيس السوري لحفل عيد الجلاء الذي يحييه السوريون كلّ سنة، هذه السنة في قلعة حلب، فيما يتزامن هذا العيد الذي يرمز لانتصار المقاومة السورية المتمسكة بالهويتين الوطنية والعربية بوجه الاستعمار الفرنسي ومشروع تقسيم سورية لدويلات طائفية، وسلب دورها العربي وقرارها الحر، مع المواجهة التي خاضتها سورية بوجه العدوان الذي تشاركت فيه فرنسا ذاتها بأحلامها الاستعمارية، مع بريطانيا وأميركا وبدعم مخابراتي إسرائيلي وبدعم مالي سعودي إماراتي، واستخدام تسهيلات القواعد الأميركية في قطر والقواعد البريطانية في قبرص. وكما في يوم الجلاء احتفل السوريون بنصرهم الجديد على العدوان وخرجوا إلى الساحات يهتفون لجيشهم ولدولتهم ولعروبتهم ولرئيسهم الذي يجسّد هذه المعاني، بمثل ما يختزن معاني صمود وانتصار سورية .
– حلب التي كان لها دور مميّز في صناعة الانتصار على المستعمر الفرنسي بإصرارها على قيام دولة سورية موحّدة ورفض مشروع انفصالها عن الوطن، وهو ما عبّر عنه الزعيم الحلبي إبراهيم هنانو بتضامنه مع زعيم المقاومة في الساحل السوري صالح العلي وزعيم المقاومة في جنوب سورية سلطان باشا الأطرش، وصاغوا بموجبه رسائلهم الرافضة لمشروع الدويلات للمحتل، وتمسّكهم بالاستقلال الناجز هي حلب ذاتها التي رفضت المشروع ذاته مجدداً يوم حمله الأتراك في بدايات الحرب التي استهدفت سورية قبل سبعة أعوام وهي حلب التي دفعت غالياً من شبابها وعمرانها واقتصادها، ثمن هذا التمسك بالوطنية السورية والعروبة وهي حلب التي انطلق من تحريرها مشروع تحرير كامل سورية، الذي عبر منها إلى تدمر ودير الزور والبوكمال، واستقرّ في الإنجاز الكبير بتحرير الغوطة، وسيعود إلى حلب ليتواصل الإنجاز باتجاه الشرق والغرب نحو إدلب والرقة. وقلعة حلب هي التي ترمز لتجذّر هذه المدينة العريقة في التاريخ كان لها فصل من فصول المواجهة في تحرير حلب، حيث كانت البداية من القلعة نحو حلب، كما كانت من حلب نحو سائر مناطق سورية.
– اختيار الرئيس الأسد لحلب وقلعتها كان معبّراً عن المكانة التي تحتلّها حلب وقلعتها في رمزية المعركة الراهنة للاستقلال السوري، الذي تُعاد كتابته هذه المرّة، بوجه حلف استعماري أقوى وأخطر مما عرفته سورية مع الاستعمار الفرنسي، حيث حشدت الجيوش والمخابرات والفضائيات والأموال واستجلب عشرات آلاف الإرهابيين، وشكّلت الفتن واللعب على العصبيات الطائفية والمذهبية سلاحاً لا يقلّ خطورة عن القتل والخراب والتدمير. وكما في المرة السابقة نجح السوريون في حماية أهمّ منجز تاريخي حققوه خلال القرن الماضي وهو دولتهم الوطنية الموحّدة والمستقلة، فصانوا مؤسساتها وعلى رأسها الرئاسة والجيش، ونجحوا بوقوفهم وراء رئيسهم وجيشهم كرمزين جامعين لمفهوم الدولة الوطنية الموحّدة والمستقلة بالانتصار على أعتى مشروع استعماري حديث أراد من كسر إرادة سورية تقديم مثال يُعيد عبره إنتاج مشروع الهيمنة على المنطقة والعالم، وقرأته المنطقة وقرأه العالم على هذا الأساس، فكان لسورية حلفاء نهضوا ينصرون دولتها الوطنية الموحّدة والمستقلة قناعة بأن كسر المشروع الاستعماري الجديد في سورية سيتكفل تجنيبهم مخاطر مواجهة نسخ أشدّ شراسة ووحشية مما عرفته سورية.
– تحتفل سورية بصدّ العدوان وهي تحيي عيد الجلاء، لكن حلب تحتفل بعودتها عاصمة للمقاومة السورية التي تحرّرت من الطائفية ومشاريع الانفصال، فكان لها الإسهام الأكبر في تحرير واستعادة وحدة سورية، وسيكون لها دور مثيل في تقديم نموذج إعمار سورية خارج مشاريع الغرب الجاهزة وفيها كلّ ألغام التبعية وفِخاخ التخريب الاقتصادي.