طلبات بن سلمان من الحريري: تحريك الشارع وليس تسمية شارع
ناصر قنديل
– يظنّ مقرّبون من رئيس الحكومة سعد الحريري أن تسمية شارع باسم الملك سلمان في بيروت يشكل استرضاءً مقبولاً للقيادة السعودية الجديدة التي يمثلها ولي العهد محمد بن سلمان، ويأملون أن تطوي الصفحة المزعجة والمؤلمة التي لا يزال صداها يتردد، منذ احتجاز الحريري في الرياض وما رافق الاحتجاز من إساءات كلامية وجسدية أشارت إلى بعض تفاصيلها مجلة نيويوركر الأميركية. وتصرف الحريري لم يأت اعتباطاً. ففي العتاب الذي سمعه الحريري بلغة غاضبة ونبرة عالية من إبن سلمان ومن وزيره ثامر السبهان خلال الاحتجاز، كان قد سمعه مسؤولون لبنانيون وغير لبنانيين من إبن سلمان ووزيره السبهان وقائد مخابراته خالد الحميدان مراراً، منذ تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة ما قبل الأخيرة في لبنان، والحديث عن نهاية عهد حصرية تمثيل الحريرية للدور السعودي في لبنان .
– احتل الحديث عن التسميات التي تطلق على المنشآت المموّلة من السعودية، حيزاً رئيسياً في خطاب الغضب السعودي، فوفق رواية إبن سلمان والسبهان والحميدان، مولت السعودية برامج منح الطلاب اللبنانيين، وعرف البرنامج باسم الرئيس رفيق الحريري، وموّلت المشاريع الإنمائية الكبرى في لبنان، فصار المشفى الحكومي والمطار الدولي يحملان اسم الرئيس رفيق الحريري، والمدينة الرياضية التي تدخّلت السعودية لبقائها باسم الرئيس كميل شمعون، لم يكن معروضاً تسميتها باسم ممول عملية الإعمار الملك فهد بن عبد العزيز، بل باسم الرئيس رفيق الحريري، ويصل الكلام الغاضب لإبن سلمان بصورة تلفت نظر المستمع لدرجة الاهتمام بهذا التفصيل، فيقول ألا يجرحنا أن نشعر بالاستغباء، وكأننا كيس مال يمكن الضحك عليه وتمرير هذا الاستثمار دون شكر قابل للحياة، كرفع لوحة تخلّد مساهمات المملكة تحمل اسم الملك السعودي لمبنى جامعي أو منشأة ضخمة. ويؤكد الكثيرون من الوسطاء الذين تدخلوا أثناء أزمة احتجاز الحريري أنهم سمعوا هذا الكلام لساعة متواصلة من السبهان وحميدان بحضور إبن سلمان أحياناً، قبل أن يصير المناخ متاحاً للتحدث بكيفية معالجة الأزمة.
– لم يقع الظن الحريري في محله لجهة معالجة هذه النقمة السعودية، بإطلاق اسم الملك سلمان على شارع الزيتونة في الواجهة البحرية لبيروت، بل كان أول تعليق لإبن سلمان عندما أبلغ النبأ، أنه مواصلة الضحك علينا واستغبائنا، فأسماء الشوارع لا تخلّد، متسائلاً، أليس المبنى الجامعي الكبير بتمويل سعودي خليجي، ووزير التربية حليف ورئيس الحكومة صديق، فلماذا بدلاً من شارع يمكن تسميته تكريماً لأي ضيف يزور لبنان، لم يتمّ إطلاق اسم الملك سلمان على المبنى الجامعي في الحدث. وتقول مصادر على صلة بما يدور في البلاط الملكي السعودي تجاه العلاقة بالحريري، أن الأمور لم تعُد إلى الودّ والتصافي بعد الزيارة الأخيرة للحريري إلى الرياض، وإبن سلمان لم يستقبل الحريري لأكثر من صورة سيلفي، ولم يناقش معه أي شأن سياسي، مستبعدة أن يستعيد الحريري مكانة تخوّله إدارة علاقة السعودية بالفرقاء اللبنانيين مجدداً أسوة بما كان عليه الحال سابقاً.
– إبن سلمان يتعامل مع الملف اللبناني من زاويتين لا يستطيع الحريري فيهما تقديم ما يطلب منه، وفقاً للمصادر، الأولى اعتبار لبنان سعودياً ساحة استثمار فاشلة، دفع فيه المال بلا طائل ولم يثمر ما يعادل بعضه وقد آن الأوان لتسديد الفواتير المتراكمة. وهو استنساخ كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حلفائه في الغرب والناتو والخليج. والثانية النظر للبنان كساحة تقديم خدمات أمنية، حيث يبني إبن سلمان كل استراتيجيته نحو واشنطن على الدعم الإسرائيلي، وكل حروبه الخليجية الباردة والساخنة على الشراكة مع «إسرائيل». وهذه خيارات لا رجعة عنها بالنسبة له، ولا يخفي تفهمه لحجم حاجة «إسرائيل» لمن يعينها في لبنان بوجه حزب الله، الذي يشكل عدواً بنظر إبن سلمان، لكنه يشكّل خطراً وجودياً بالنسبة لـ»إسرائيل». ويسأل إبن سلمان، ما فائدة أن يكون لنا حلفاء في لبنان، ننفق على دعمهم أموالاً طائلة، وعندما يحتاج شريك بحجم «إسرائيل» أن يقدّم له أحد حلفائنا اللبنانيين خدمات ومساعدات لإبعاد خطر حزب الله، لا نجد ما يكفي.
– يشكّل برأي من يعرفون المسافة التي قطعها إبن سلمان في الابتعاد عن الحريري من جهة، والعداء لحزب الله من جهة مقابلة، والإعجاب إلى حدّ يتخطى المنطق بـ «إسرائيل»، والرغبة بجعلها الحليف الأول في المنطقة علناً، مدخلاً لتبديل رجالات السعودية في لبنان بعد الانتخابات، حيث التعامل مع الملف الانتخابي يُدار بالتنسيق مع الأميركيين والفرنسيين ويفرض حسابات لا تتسبّب بنتائج عكسية على المسار الانتخابي وعلى العلاقة بفرنسا وأميركا، لكن بعد الانتخابات ستتاح الفرصة لتظهير سياسة سعودية جديدة، يبقى خلالها الحريري واحداً من الشخصيات القريبة من الرياض أسوة بالرئيس نجيب ميقاتي، لكن سيتقدّم ثنائي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والوزير السابق أشرف ريفي الصفوف بين الحلفاء المقربين لإبن سلمان، نظراً للقرب «العقائدي» بين خياراتهم وخياراته، وطريقة ترتيبه للأولويات وطريقتهم، ولا يخفي إبن سلمان إعجابه بخصوم حزب الله من الشيعة على الصعيد «العقائدي» في ترتيب الأولويات.
– ينقل أحد الذين التقوا أحد المقرّبين من إبن سلمان في واشنطن بعد تبلّغه حكاية تسمية الشارع باسم والده، أنه علّق قائلاً، طلبنا منه تحريك الشارع وليس تسمية شارع.