شعب عظيم وقيادات بائسة
غالب قنديل
قدم الشعب الفلسطيني يوم الجمعة خلال مسيرات العودة مثالا رائعا لإرادة المقاومة والتضحية في سبيل الوطن مكرسا الحقيقة التاريخية المؤلمة منذ النكبة عام 1948 وهي ان نكبة الفلسطينين الفعلية كانت قياداتهم الخانعة والمستسلمة للضغوط الاستعمارية والمرتهنة للرجعية العربية بحكوماتها واوهامها التي تروجها منذ عقود عن حلول سياسية محتملة تحت رعاية دول الغرب التي لم تبخل بشيء على الكيان الصهيوني الاستعماري الذي يستبيح حياة الفلسطينين وحقوقهم ويهدد وجودهم ومصيرهم بكل وقاحة.
تهدر الانقسامات السياسية كثيرا من فرص النهوض والسعي إلى تعديل ميزان القوى ويهدر وهم التسويات قدرات هائلة فيتحول إلى قناة اختراق لصالح العدو مع استمرار التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية ومخابرات العدو فجميع المعلومات المتصلة بتحركات أبطال فصائل المقاومة موضوعة في تصرف الاحتلال بقنوات تنسيقية فلسطينية صهيونية بما يتيح للعدو تنفيذ تصفيات وعمليات إبادة ضد طليعة الشباب الفلسطيني المناضلة التي تنتدب شبابها لتحرير الوطن وما من أحد يملك القدرة والمنطق لتبرئة اجهزة السلطة من دماء قادة ومناضلين اغتالهم الاحتلال.
مهما ارتفعت أصوات مسؤولين في السلطة وحركة فتح لتبرر فإن التمعن بالكثير من حالات الاغتيال والأسر هو فضيحة مشينة لنهج التسوية والاستسلام المتواصل منذ اتفاقية اوسلو التي طبقت في اتجاه واحد فرضه العدو بكل صلافة وما يزال تمسك السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير بالاتفاق نوعا من التعلق بأذيال ثوب مهلهل تمزق واهترأ وبات باليا منتهي الصلاحية إلا ما تكفلت الولايات المتحدة وحكومات الخليج بإبقائه من خطوط تمويل البيرقراطية الفلسطينية ورواتبها ومخصصاتها.
اما على المقلب الآخر حيث قيادة حماس تتحرك على حبال مشدودة يمسك بأطرافها حلف إقليمي يستظل المشيئة الأميركية رغم ما يضعه من أقنعة مضللة وزائفه حول قضية فلسطين ويكفي ان تكون مرجعية القيادة الحماسية في الدوحة واسطنبول اللتين أقحمتاها في المؤامرة الصهيونية على سورية وعلى الرغم من حرصها الشديد على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع طهران والقاهرة حيث تتوزع مصالحها بالتواصل مع سبل دعم جناحها المقاوم والاحتفاظ بخطوط الرعاية السياسية المصرية لترتيبات معابر غزة بالتفاهم الممكن مع الاحتلال الصهيوني وهو تفاهم يشمل صيغة غير معلنة للمساكنة مع العدو ويفتح خطوطا متاحة للتفاوض مباشرة ومداورة سبق ان اختبر الأميركيون فرص تحويلها إلى اتفاق شامل من خلال تحريك فكرة الوحدة الفلسطينية .
قرار ترامب بتكريس القدس عاصمة للكيان الصهيوني خلق المناخات المشتعلة بالغضب الشعبي التي أوقفت تلك المساعي والجهود الغربية والرجعية العربية واحرجت جميع القيادات الفلسطينية على المقلبين السلطوي والحمساوي فأجلت العمل الحثيث الذي انطلق في الكواليس لإحياء التفاوض السياسي حول مشاريع اتفق على تسويقها مع أمير التاج السعودي ضمن ما سمي بصفقة القرن وقد مارست الرجعية السعودية أقسى الضغوط الممكنة مؤخرا ولوحت بانقلاب وشيك على الرئيس محمود عباس ما لم يستجب لمتطلبات خطة ترامب التي تاجل إعلانها مؤقتا وسيكون ما بعدها حريق صهيوني كبير قد تعقبه مجازر وعمليات اقتلاع وإبعاد جماعي داخل فلسطين المحتلة.
يجود الفلسطينيون بدمائهم دفاعا عن حقهم التاريخي ويتطلع الشباب إلى ثورة في حركة التحرر التي ورثوها من اجيال مناضلة ومن قيادات سياسية تركت لهم خيبات وسقطات وخيانات كلفت شعبهم سيولا من الدماء والدموع .
ليس الوقت مناسبا لخطب التمجيد الاحتفالي بقدر ما ان المطلوب هو وخز العقول والحث على التفكير بكيفية إحياء خيار المقاومة الشعبية والمسلحة ضد الاحتلال الصهيوني فلا طريق سواه للتحرير والعودة وفي حركة الوعي يستدعي ذلك أشد طرق النقد جذرية بحق التجربة الفلسطينية والعربية في النضال ضد الصهيونية وهو واجب على جميع الوطنيين العرب المأسورين في علب الأوهام القطرية السخيفة والواهية التي تقولبوا فيها منذ هزيمة حزيران قبل اكثر من أربعين عاما ونكسة الخيار القومي التحرري.
في يوم الأرض نردد مع القائد الشهيد باسل الأعرج : “من المفترض الذهاب إلى نقاش مجتمعيّ كامل انطلاقاً من ساحة الاشتباك، بحيث يكون هدف النقاش تحديد أهداف للمواجهة لا مطالب. والهدف الرئيس هو ضرورة استمرار الاشتباك ولو بوتيرة منخفضة، أحيانا تعلو كثيراً وأحيانا تعود لنفس وتيرتها المستمرة. أما الحديث عن “مطالب” فعادة ما يتبعه مباشرة الحديث عن التمثيل، أي سؤال “من يُمثل الشعب ويتحدث باسمه؟”، والحديث عن التمثيل تتبعه مباشرة ممارسة سلطة على الجموع الحقيقية التي تمارس الاشتباك، وممارسة سلطة آو امتلاكها سيدفع مباشرة للمساومة، والمساومة ستعيد إنتاج ما سبق بوجوه جديدة وأعمار صغيرة.”