منظومة الباتريوت تصنع في أميركا وتهان في الإمتحان د.منذر سليمان
سلسلة تصريحات وتعليقات أميركية استثنائية سلطت الضوء على “إخفاق” نظام الدفاع الصاروخي – الباتريوت في أداء مهامه الأصلية: التصدي واسقاط الصواريخ خلال مرحلة تحليقها للحيلولة دون وصولها لأهدافها؛ خاصة بعد أطلاق اليمن سبعة صواريخ باليستية على أربعة أهداف سعودية يوم 24 آذار/مارس، أصابت “مطار الملك خالد في الرياض ومطارات عسكرية في نجران وجيزان وخميس مشيط،” لتتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان” لواشنطن ومدن أميركية أخرى، وكذلك في الذكرى الثالثة للعدوان السعودي على اليمن.
بعض التصريحات المتتالية صدرت عن قيادات عسكرية رفيعة، مما يعزز أهميتها، أبرزها شهادة رئيس هيئة القيادة الإستراتيجية الأميركية، الجنرال جون هايتن، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب حديثا؛ بالاجابة بالنفي عن سؤال فعالية منظومة الباتريوت، قبل فترة من إطلاق الصواريخ اليمنية الأخيرة.
من بين التصريحات العسكرية الأخرى ما جاء على لسان المدير السابق لبرنامج تجارب البنتاغون، فيليب كويل، قوله إن “نسبة نجاح نظم الدفاع الصاروخية (الباتريوت) خلال مرحلة التجارب كانت مخزية.” (أيلول/سبتمبر 2017).
في الحيز السياسي، أكد عدد من المسؤولين الأميركيين “دون الإفصاح عن هويتهم،” مطلع العام الجاري وعقب إصابة صاروخ باليستي لمطار الملك خالد في الرياض، أنه لا يوجد دليل ملموس يشير إلى أن “السعوديين نجحوا في اسقاط الصاروخ؛ وما قدموه من أدلة على عملية اعتراض ناجحة قد يكون عبارة عن عملية انفصال جزأي الصاروخ (الرأس الحربي والجسم) عن بعضهما البعض بصورة مقصودة.”
اللافت أيضاً في هذا السياق ان التصريحات غير المسبوقة وبالغة الخطورة واكبت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لواشنطن؛ أسوة بموافقة الكونغرس على صرف الميزانية السنوية لوزارة الدفاع بالكامل، 700 مليار دولار، هي “الأعلى منذ 15 عاماً.” اما نصيب برنامج الدفاع الصاروخي وتوابعه من الميزانية فقد بلغت 11.5 مليار دولار توضع بتصرف “وكالة الدفاع الصاروخي.” (واشنطن بوست، 23 آذار/مارس 2018).
الرئيس دونالد ترامب دائم التكرار لمقولته بأنه ينبغي على الدول “الأخرى” شراء منظومات دفاعية ومقاتلات أميركية الصنع، لضمان ديمومة صناعة الأسلحة الأميركية وسيطرة قرارها السياسي على الآخرين. السعودية ودول الخليج الأخرى تتصدر قائمة الدول المستوردة للسلاح الأميركي، انضمت إليها قبل بضعة أيام بولندا بعد ابرامها صفقة لشراء منظومة “الباتريوت.”
التسابق على سلاح فاشل
توالت شهادات خبراء أميركيين في علم الصواريخ، أنضم إليهم لاحقا بعض الأخصائيين الاوروبيين، لتقييم أداء نظام “الباتريوت” الأميركي وخصوصاً منذ بدء العدوان السعودي على اليمن.
أما وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة، المقروءة والمرئية، فقد توصلت جهود تحقيقاتها الى نتائج موازية: فشل مدوي للمنظومة الصاروخية. من بينها اسبوعية نيوزويك، 26 آذار/مارس، متسائلة “هل فشل نظام الدفاع الصاروخي أميركي الصنع خلال الهجوم الصاروخي اليمني؛” بالإجابة استناداً لشرائط فيديو أنه “كان فشلاً مذهلاً لصاروخ الإعتراض السعودي وليس للصاروخ المستهدف للرياض.”
أما نسختها باللغة العربية، 29 آذار/مارس، جاءت بصيغة التأكيد “الدفاعات السعودية فشلت في اعتراض الصواريخ اليمنية.” واعتبرت المجلة أن فشل منظومة الباتريوت، المرة الكارثية تلو الأخرى، قد يعد إغراءاً للجيش واللجان الشعبية لتوجيه مزيد من الصواريخ التي بإمكانها تهديد أمن السعودية.
صحيفة نيويورك تايمز، 25 آذار، كانت أكثر حرصا على عدم استفزاز السعوديين خلال زيارة محمد بن سلمان، واكتفت بعنوان “السعوديون يزعمون اعتراض 7 صواريخ اطلقت على مدنهم من اليمن.” في حين نشرت نقداً لاذعاً لفشل موازي باعتراض صاروخ باليستي أصاب مطار الملك خالد بالرياض، نهاية العام الماضي، متهكمة بأن ذلك “سيحمل انعكاسات عسكرية كبيرة على منظومة الدفاعات الأميركية أكثر من السعودية ..”
إحدى أبرز الدراسات العلمية حول فعالية الصواريخ اليمنية قدمها مدير برنامج الحد من انتشار الأسلحة في شرقي آسيا في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية في مونتري بولاية كاليفورنيا، جيفري لويس، والذي سبق ونشر تحليلاً مفصلاً حول فشل الباتريوت مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر 2017 في صحيفة نيويورك تايمز.
فنّد خبير الصواريخ لويس في مقالته المنشورة على موقع فورين بوليسي، 28 آذار/مارس، السردية الرسمية السعودية بتأكيد اعتراضها للصواريخ السبعة، قائلاً إن صور الفيديو المنشورة تشير إلى فشل ذريع لصاروخ الاعتراض (باتريوت)، أما الصاروخ الثاني فقد استدار على نفسه وانفجر في أرض الرياض. وأضاف أن “حصيلة اليوم كانت سيئة للدفاعات الصاروخية السعودية.”
واستطرد لويس بأن مقاطع الفيديو المصورة “يمكن أن تدفعنا للقول إن الإصابات والخسائر في الأرواح ربما يكون سببها الإعتراضات السعودية الفاشلة.”
الاسبوعية العلمية بوبيولار ميكانيكس، 26 آذار، سخرت من فشل نظام الدفاع الصاروخي الأميركي بالقول أن “الصاروخ أرض ـ جو أضحى صاروخ أرض ـ أرض.” وحينما تثبت الدلائل أن “الاعتراض مُني بالفشل، فانها تطرح أسئلة هامة حول فعالية النظام ككل، مع أنها ليست المرة الأولى .. بيد ربما هي المرة الأولى التي يتسبب بها نظام الباتريوت بتهديد المدنيين والقفز عن الهدف. “
كشف تقرير فورين بوليسي، سالف الذكر، عن فشل بنيوي في سلاح الدفاع الصاروخي – الباتريوت، منذ إطلاق العراق صواريخ سكود على اهداف في الكيان الصهيوني والسعودية. وأوضح أن نتائج اعتراض بطاريات الصواريخ آنذاك جاءت مبالغ بها، مما دفع لجنة الأداء الحكومي في مجلس النواب المكلفة بمراجعة التقارير المتعددة إلى القول “.. هناك دليل ضعيف للتثبت من أن صواريخ الباتريوت اسقطت أكثر من بضعة صواريخ سكود العراقية خلال حرب الخليج .. بل هناك بعض الشكوك من صحة وقوع إصابات” أصلاً.
وطالبت لجنة الكونغرس المذكورة وزارة الدفاع الإفراج عن مزيد من المعلومات حول أداء الباتريوت وتقديم تقرير مفيد ومفصل “.. بيد أن حملة دعائية شعواء قام بها سلاح القوات البرية وشركة رايثيون (المصنعة) اسفرت عن تجاهل الطلب” إلى اليوم، باستثناء ملخص من بضعة صفحات لا تروي عطش المحللين.
من أين لك هذا يا يمن
تدرج قدرة وفعالية الصواريخ اليمنية أصاب دول العدوان وداعميها بالقلق نظراً لبلوغها مرحلة متقدمة ذات أبعاد استراتيجية، مقابل تراجع فرص الحسم العسكري؛ وحافظت على سردية إتهام ايران بتزويد اليمن بالصواريخ، واتهام حزب الله بنقلها لليمن على الرغم من فرضهم حصاراً برياً وبحرياً وجوياً محكماً على البلاد.
مصدر تلك المنظمومة التقنية هي كلمة السر لدى دول العدوان التي تصر على إقحام إيران دون دلائل حسية. أما اليمن فلديه مخزون وافر من صواريخ سكود – سي، دفع ثمنها لمصدريها من كوريا الشمالية والاتحاد السوفياتي وربما تعاون مع دول شقيقة مثل سوريا. كما حقق مخزوناً لا بأس به من صواريخ “سام” أرض – جو طوّعها لإنتاج منظومة “قاهر–1” مداه 250 كلم، والذي كشف عنه النقاب نهاية عام 2015، أطلق من على عربة مدنية. منظومة سام اليمنية رافقها أيضاً مخزون من الوقود السائل، إس-75.
يسير اليمن في نهج متصاعد لامتلاك ترسانة أسلحة دفاعية تتلائم مع احتياجاته. عواصم دول العدوان تدرك حقيقة ذلك، لكنها لا تستطيع تحشيد منسوب عدائها للدول الإقليمية دون إدخالها عنوة في الصراع، وحرف الأنظار عن حقيقة ضحاياها من البشر والحجر والحضارة والتراث.
استطاع اليمن بقدراته الذاتية عبر سنوات العدوان الثلاثة من تطوير وانتاج احتياجاته الميدانية تدريجياً كي لا يخضع لضوابط أو ابتزاز قوى أخرى، وبلغ مرحلة التصنيع والتطوير والآن اصبح في طور الإنتاج الحربي. لو لم يكن كذلك، كيف نفسر تعمد اليمنيين تصعيد مديات الصواريخ قصيرة المدى، زلزال 1 و 2؛ أتبعها بالصواريخ الباليستية متوسطة المدى (منظومات قاهر 1 و 2، وزلزال 3) مدياتها نحو 400 كلم ورأس حربي زنته 350 كلغم؛ والآن اصبح بمقدوره إنتاج نموذجه الخاص من الصواريخ بعيدة المدى (بركان -1 قادر على حمل رأس حربي بزنة 500 كلغم أطلق على قاعدة الملك فهد العسكرية بالطائف، 2016؛ وبركان أتش 2 ذات مدى أبعد) التي وصلت لعاصمتي العدوان، الرياض وأبو ظبي.
وفي ذات السياق التدريجي لاصرار اليمن على امتلاك الخبرة العسكرية وإنتاج ما يحتاجه من أسلحة كشفت “القوة الصاروخية” اليمنية مؤخراً عن منظومة إضافية من الصواريخ، بدر 1، أصاب “فرع شركة أرامكو في نجران؛ .. الذي يعمل بالوقود الصلب بسرعة 4.5 ماخ ذو فعالية عالية.”
وشدد بيان القوة الصاروخية على أن “الضربة الموجهة لشركة أرامكو في نجران تعتبر تدشينا للجيل الأول من منظومة بدر الباليستية محلية الصنع، وبجهود مثمرة لمركز الدراسات والبحوث التابع للقوة الصاروخية .. (وبأن) مساعينا لامتلاك قوة دفاعية رادعة لا تقف عن سقف أو تقف عند حد، وأنه كلما طال أمد العدوان والحصار تعاظمت قدراتنا الصاروخية.”
اما أعداد الصواريخ التي أصابت أهدافاً داخل المملكة السعودية فقد أكدها الناطق الرسمي للتحالف السعودي، تركي بن صالح المالكي، بأنها وصلت إلى 95 صاروخاً من مديات مختلفة.
السعودية أطلقت “ما لا يقل عن 7 صواريخ (باتريوت) لاعتراض 3 صواريخ باليستية” استهدفت مناطق متعددة في الرياض، وفق الخبراء العسكريين الأميركيين؛ حصدت “فشلاً ذريعاً في اعتراض صاروخين، والخمسة البقية يبدو أنها انفجرت ذاتياً بعد الإطلاق.” والكلفة ما بين 2-3 مليون دولار للصاروخ الواحد.
الفشل له كلفته الباهظة أيضاً ..