آلية جديدة لنهب العالم الثالث
حميدي العبدالله
في كتابه «رأس المال في القرن الحادي والعشرين» كتب «توماس بيكيتي» يقول «يمكن للدول الغنية أن تمتلك جزءاً من رأس مال الدول الفقيرة» ولتبرير عملية النهب الجديدة يستنتج بيكيتي «نظرياً يمكن أن تكون لتلك الآلية… آثار حميدة عن طريق تعزيز التقارب» بين الدول الغنية والفقيرة . ولإخفاء عملية النهب هذه لثروات الدول الفقيرة، وتعزيز مصالح الدول الغنية يلجأ بيكيتي إلى نظرية «الإنتاجية الحدية لرأس المال» أي توظيف المزيد من المال عند حد معين لا يجلب عائداً إضافياً يتناسب وحجم التوظيف… لذلك يقول «الدول التي تفيض بالمدخرات ورأس المال، ولا يوجد منطق لاستخدامها في بناء مساكن جديدة أو إضافة آلات جديدة، فقد يكون من الأكفأ عموماً أن يتم استثمار جزء من المدخرات المحلية في البلدان الأفقر في الخارج». ويعترف بصراحة «هكذا ستحصل الدول الغنية، وبالتالي سكان البلدان الغنية (المقصود شركات الدول الغنية) التي لديها رأس مال تستغني عنه على عائدات أفضل عن طريق استثمار رؤوس أموالها في الخارج».
واضح أن هذا تأكيد لاستنتاجات الباحث المصري سمير أمين في كتابه «التراكم الرأسمالي على الصعيد العالمي»، أي أن الدول الغنية لا تكتفي من خلال التراكم الرأسمالي على المستوى القومي في الاستيلاء على فائض القيمة في بلدانها، بل إنها تستولي على هذا الفائض أيضاً في الدول الفقيرة، وهذه آلية نهب جديدة تضاف إلى آليات نهب الدول الغنية للدول الفقيرة القائمة على الاستيلاء على موادها الأولية، وتحويلها إلى سوق استهلاكي لتصريف إنتاج مصانعها من خلال عرقلة تصنيع البلاد الفقيرة لكي لا تكون منافساً للمصانع الغربية وتعطي الأولوية لتصريف نتاج مصانعها في سوقها الوطنية، وهي معادلة لجأت إليها الدول الغنية عن طريق الاستعمار وفرض التبعية على الدول الفقيرة.
يزعم بيكيتي في سياق تسويق وتزيين هذه الآلية الجديدة لنهب الدول الفقيرة، أن هذه الآلية الموجودة فعلاً «ستزيد البلدان الفقيرة من إنتاجها، وبذلك تسد الفجوة بينها وبين الدول الغنية». مما لا شك فيه أن الدول الفقيرة تستفيد من استثمار الدول الغنية بعض مدخراتها في هذه الدول الفقيرة، على الأقل من خلال توفير فرص عمل واكتساب مهارات، وربما أيضاً حصول خزائن الدول الفقيرة على بعض العائدات جراء ضرائب الدخل حتى لو كانت محدودة، ولكن كل ذلك لا يحجب طرح السؤال التالي: فائض القيمة المنتج في هذه العملية، كيف سيتم توزيعه بين الدول الغنية والدول الفقيرة، والحصة الأكبر ستعود لمن؟ لاستثمارات الدول الغنية، أم للبلدان الفقيرة التي استقبلت هذه الاستثمارات؟ بيكيتي لم يطرح هذا السؤال، وبالتالي لا يجد في البحث إجابة عنه، لأنه لو فعل ذلك، فإن نتائج البحث ستقود إلى تأكيد مقولة سمير أمين وخلاصته الأساسية في كتابه «التراكم الرأسمالي على الصعيد العالمي»، أي أن الجزء الأكبر من فائض القيمة ستجنيه استثمارات الدول الغنية، والجزء اليسير يذهب إلى البلاد الفقيرة التي استقبلت استثمارات الدول الغنية، تماماً كما يتم توزيع فائض القيمة على المستوى الوطني بين صاحب المنشأة الرأسمالية وبين عمال هذه المنشأة، بكيتي لا يعارض هذا الاستنتاج، بل يؤكده على طريقته من خلال حشد وقائع كثيرة تؤكد أن المستفيد الرئيسي الاستثمار الخارجي الآتي من الدول الغنية.
إذن الاستيلاء على ثروات الدول الفقيرة لا يتم فقط عن طريق النهب الاستعماري بشكليه القديم والجديد، وما تتضمنه تلك الأشكال من قسرٍ يصل إلى حد إخضاع الشعوب الفقيرة بالقوة العسكرية والحروب والضغوط المتنوعة، بل وأيضاً عن طريق أشكال أخرى أكثر تمويهاً ومنها هذا الشكل الجديد الذي تحدث عنه «توماس بيكيتي» في كتابه «رأس المال في القرن الواحد والعشرين» الصادر عن «دار التنوير للطباعة والنشر» و«منتدى البحوث الاقتصادية».