الردع اليمني: سنة رابعة: ناصر قنديل
– في مثل هذا اليوم من عام 2015 كانت واشنطن توقع اتفاق الإطار إلى جانب كل من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مع إيران كأساس للتفاهم النووي الذي وقع في منتصف شهر تموز من العام نفسه. وفي مثل هذا اليوم شنت السعودية عدوانها على اليمن بلا غطاء عربي أو دولي، لتحصل لاحقاً بدعم أميركي إسرائيلي على ما تريد في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة. وكان واضحاً من الخطاب الأميركي الذي رافق نهاية المفاوضات في فيينا في تشرين الثاني عام 2014 بعد عام كامل من التفاوض أن مهلة الشهور السبعة لإنهاء الاتفاق والموزعة بين أربعة شهور للتفاوض تنتهي في نهاية آذار، وثلاثة أخرى تنتهي في نهاية حزيران للصياغات التقنية، أنّها مهلة تمنحها واشنطن لحلفائها وخصوصاً السعودي والتركي والإسرائيلي لاتخاذ الترتيبات التي تجعلهم قادرين على مواجهة مرحلة ما بعد إنجاز التفاهم، كما قال يومها جيفري فيلتمان المزدوج الصفة الأممية الأميركية .
– ترجمت تركيا استثمار هذه المهلة بدخولها إلى إدلب شمال سورية ودعمها لجبهة النصرة بالسلاح والعتاد والنيران والوحدات الخاصة تمهيداً لسيطرة النصرة ومَن معها على حلب بينما شنّت «إسرائيل» غارات على القنيطرة جنوب سورية استهدفت مجموعة قيادية لحزب الله والحرس الثوري الإيراني في محاولة لرسم قواعد اشتباك جديدة وخطوط حمراء أعلنتها ومحورها، أن جنوب سورية منطقة محرّمة على المقاومة ولن تخضع لمعادلات الردع التي تحكم جبهة جنوب لبنان، وحماية لمشروع إقامة حزام أمني حدودي تتولاه جبهة النصرة يشبه ما فعله العميل أنطوان لحد في جنوب لبنان قبل الهزيمة الإسرائيلية عام 2000 بينما كان الاستثمار السعودي للمهلة بشن العدوان على اليمن وفق نظرية قوامها إنهاء وضع اليمن عسكرياً خلال ما تبقى من المهلة لتوقيع التفاهم النووي مع إيران، وأملاً بأن تجلب وقائع الحرب وسرعة الإنجاز ما يُقنع واشنطن بالتراجع عن التوقيع والثقة بأن لدى حلفائها ما يفعلونه لتغيير موازين القوى.
– توقّف النجاح التركي عند حدود إدلب بعد شهور قليلة بفعل الدخول الروسي المباشر على خطّ الحرب، وفشل محاولاتهم ترويض موسكو بإسقاط الطائرة الروسية، ليضطروا لاحقاً إلى التموضع بعد تحرير الجيش السوري مدعوماً من روسيا وإيران لحلب، ضمن معادلة أستانة والبحث عن بدائل كان آخرها دخولهم عفرين، ولا يزال التجاذب قائماً حول مستقبل ما رسمه الأتراك من رهانات، بينما أخفقت «إسرائيل» في رسم قواعد اشتباك جديدة بعد الرد النوعي للمقاومة في مزارع شبعا واضطرار الإسرائيليين للإقرار بمعادلات الردع، لكن التجاذب بقي مستمراً حول الرهان على التغيير، حتى تمّ إسقاط الطائرة الإسرائيلية الـ «إف16» بواسطة الدفاعات الجوية السورية، وصولاً لطلب حكومة الاحتلال إعادة نشر وحدات الأندوف على خط فصل القوات في الجولان المحتلّ وتسليمها بسقوط مشروع الحزام الأمني الذي بدأته مع جبهة النصرة.
– مضت الأيام التي راهن عليها السعوديون للحسم في اليمن وصارت أسابيع، ثم مضت الشهور، ونفدت المهلة الأميركية ومُدّدت لأسبوعين بطلب سعودي أملاً بنجاح محاولات الفوز في اليمن، وصرح ممثل منصور هادي في الجامعة العربية في قمة شرم الشيخ التي نالت الرياض فيها غطاء عربياً بالقول، إن «إسرائيل» باتت بمأمن من الصواريخ البالستية التي يخزّنها الحوثيون في الحديدة لاستهداف إيلات في أي حرب مقبلة بين إسرائيل وحزب الله. ووقع الأميركيون التفاهم النووي مع إيران وتواصلت الحرب السعودية، ومرت سنة وسنتان وثلاث وها هي الرابعة تبدأ، والرياض من فشل إلى فشل، والصواريخ التي أرادت جماعة السعودية إراحة «إسرائيل» من خطرها صارت سلاح الردع الذي يرسم معادلة اليمن، والذي تتّجه المساعي لجعله طرفاً في التسوية وفقاً لمعادلة، وقف الصواريخ على العمق السعودي مقابل فك الحصار الجوي والبحري عن اليمن، وتستمرّ الحرب ويسقط الأمل السعودي بالفوز بها، ويرسم صمود اليمن صورة المنطقة بتحويل السعودية من دولة إقليمية كبرى إلى دولة مأزومة تبحث عن مخرج لمأزقها.